قال في الحاوي: أما أخص الحقوق بتركة الميت فهو الكفن، ومؤونة الدفن يقدم على حقوق الله تعالى وحقوق الآدميين، وإن استوعبت جميع التركة، وأما غيره من الحقوق فضربان:
أحدهما: ما كان من حقوق الآدميين كالديون فلا خلاف أنها لا تسقط بالموت لقول الله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ}[النساء: ١١]، ولقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: "نفس الميت معلقة بدينه حتى يقضى" وأما حقوق الله تعالى من الزكوات والكفارات والحج والنذور فمذهب الشافعي أنها لا تسقط بالموت سواء وجبت باختياره كالكفارات والنذور أو بغير اختياره كالزكوات والحج، وقال أبو حنيفة: يسقط جميعها بالموت، وفرق بعض الفقهاء بين ما وجب باختياره فسقط بالموت وما وجب بغير اختياره فلا يسقط بالموت، وعكس بعضهم هذا فأسقط بالموت ما وجب بغير اختياره لم يسقط به ما وجب باختياره، وقد حكى الشافعي هذه المذاهب كلها في كتاب الأم، وقد قدمنا الكلام مع أبي حنيفة في كتاب الزكاة والحج بما أغنى عن الإعادة فإذا تقرر هذه الجملة لم يحل حال بعد الموت فيما لزمه من الحقوق من ثلاثة أحوال:
أحدها: أن يكون جميعها من حقوق الآدميين فهي على ثلاثة أضرب:
أحدها: أن يتعلق جميعها بالذمة، فجميع أربابها أسوة في التركة، إن اتسعت لها قضى جميعها، وإن ضاقت عنها تحاصوها بينهم على قدر ديونهم.
والثاني: أن يكون جميعها متعلقة بالعين كالرهن، والعبد الجاني، فإن اختلفت العينان اختص كل واحد منهم بالعين التي تعلق حقه بها وإن تعلقت حقوقهم بعين واحدة اشتركوا فيها بقدر حقوقهم منها.
والثالث: أن يكون بعض الحقوق ثابتًا في الذمة، وبعضها متعلقًا بالعين فيقدم ما تعلق بالعين على ما تعلق بالذمة، لأن صاحب العين قد جمع بين حقين، وتفرد صاحب الذمة بأحدهما.
فصل:
الثانية: أن يكون جميعها من حقوق الله تعالى فهي على ثلاثة أضرب:
أحدها: أن يتعلق جميعها بالذمة كالحج والكفارة والزكاة بعد تلف الحال والنذور المتعلقة بالذمة، فإن اتسعت التركة لجميعها قضيت، فإن فضل عنها شيء كان للورثة وإن استوعبت التركة فلا شيء للورثة، وإن ضاقت التركة عنها قسمت التركة على الحقوق بالحصص، فإن كان ما خرج بقسط الحج يمكن أن يحج به عنه من ميقات بلده أخرج