الاستيعاب فإن قيل: أفليس لو قال: والله لا أكلت طعامًا اشتراه زيد، أكل بعضه حنث، فلا حنث بشرب بعض الماء، كما حنث بأكل بعض الطعام.
قيل: لا يختلف المذهب أنه لا يحنث بشرب بعض الماء وفي حنثه بأكل بعض الطعام وجهان:
أحدهما: أنه كما لا يحنث بأكل بعضه فعلى هذا قد استويا.
والثاني: وهو اختيار أبي على بن أبي هريرة، أنه يحنث بأكل بعض الطعام، وإن لم يحنث إلا بشرب جميع الماء، والفرق بينهما أن الماء في الإداوة مقدار ينطلق على جميعه، ولا ينطلق على بعضه، فلذلك لم يحنث بشرب بعضه وشراء زيد للطعام صفة تنطلق على بعضه، كما تنطلق على جميعه، فلذلك حنث بأكل بعضه، فإذا ثبت أن الحنث في الإداوة يقع بشرب مائها كله، ولا يحنث بشرب بعضه، فذهب من ماء الإداوة قطرة انحلت اليمين لأنه لا حنث فيها إن شرب باقي مائها، فلو شك أذهب منها قطرة أو لم يذهب، فشرب جميع مائها، ففي حنثه وجهان:
أحدهما: يحنث: لأن ذهاب القطرة مشكوك فيه.
والثاني: لا يحنث، لأن الحنث مشكوك فيه.
فصل:
فأما إذا حلف، لا شربت ماء هذا النهر، فقد قال الشافعي رضي الله عنه: لا سبيل إلى شرب ماء النهر كله، ولم يتعرض لبره ولا لحنثه فيما شرب منه، فاختلف أصحابنا في شربه منه على وجهين:
أحدهما: وهو قول أبي العباس بن سريج يحنث بما شرب منه، لأنه لما استحال شرب جميعه، صارت اليمين معقودة على ما لا يستحيل لأن لا يصير بيمينه بعد العقد لغوًا.
ألا تراه لو قال: والله لا شربت الماء حنث بشرب ما قل منه، وإن كان دخول الأول واللام يقتضي استيعاب جميعه، لأنه لما كان شرب جميعه من المستحيل، حمل على شرب ما لا يستحيل، كذلك ماء النهر لما استحال شرب جميعه، حمل على ما لا يستحيل من شرب بعضه، وتأول قول الشافعي رضي الله عنه، ولا سبيل إلى شرب ماء النهر كله على حمل يمينه على ما يجد السبيل إليه، وهو أن يشرب من ماء النهر، فعلى هذا: أى شرب شرب من مائه حنث به مما يروى أو لا يروى.
والثاني: وهو قول أبي إسحاق المروزي، ويشبه أن يكون هو الظاهر من مذهب الشافعي أنه لا يحنث بشرب بشيء من مائه لأن يمينه توجهت إلى شرب جميعه، لأنه عقدها على ماء النهر، ولم يطلق فصار النهر مقدارًا كالإداوة وليس إذا استحال شرب الجميع وجب أن يحمل على شرب ما لا يستحيل.