لو شرع في النظر قبل القبول، فليكون شروعه فيه قبولاً؟ وجهان: أحدهما: يكون قبولاً فتنقذ أحكامه.
والثاني: لا يكون قبولاً حتى يصرح بالقبول نطقاً وتكون أحكامه مردودة قبله، وهذا لأن الشروع في النظر فرع لعقد الولاية فلم ينعقد به قبولها.
فرع آخر
إذا ولاه القضاء [٦٨/ب] علي البلد كتب له بالعهد بما ولي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كتب العهد لعمرو بن حزم حين بعثه إلي اليمن، وكتب أبو بكر الصديق لأنس- رضي الله عنهما- العهد إلي البحرين وختمه بخاتم الرسول النبي صلى الله عليه وسلم.
وروي جابر بن مضرب أن عمر- رضي الله عنه- كتب إلي أهل الكوفة: أما بعد فإني بعثت إياكم عماراً أميراً، وعبد الله بن مسعود قاضياً ووزيراً فاسمعوا لهما وأطيعوا فقد لآثرتكم يهما.
ولا يشترط كتب العهد في صحة التقليد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكتب العهد لمعاد بن جبل - رضي الله عنه - فاقتصر علي وصيته، وإنما يراد العهد ليكون شاهداً بما تضمنه من صفات التقليد وشروطه.
فرع آخر
إذا كتب العهد يأمره بتقوى الله تعالي، والتثبيت في القضاء، ومشاورة أهل العلم، وصفح أحوال الشهود وتأمل الشهادات، وتعاهد اليتامى وحفظ أموالهم، ومراعاة الأوقاف وغير ذلك مما يحتاج إلي مراعاته.
وقد روي عن إدريس الآوي أنه قال: أخرج إلينا سعد بن أبي بردة كتاباً، فقال: هذا كتاب عمر بن الخطاب إلي أبي موسي: أما بعد، فإن القضاء فريضة محكمة، وسنة متبعة، الفهم الفهم، إذا آوى إليك أمر بين الناس ووجهك ومجلسك وعدلك حتى لا يطمع شريف في حيفك، ولا يخاف ضعيف من جورك، البينة علي من ادعي واليمن علي من أنكر، والصلح جائز بين الناس إلا صلحاً أحل حراماً أو حرم حلالاً، لا يمنعك من قضاء قضيته بالأمس أن تراجع الحق، فإن الحق قديم لا يبطل الحق شيء، ومراجعة الحق خير من التمادي في لباطل، الفهم فيما يختلج في صدرك ما لم يبلغك من القرآن، فتعرف الأمثال في الأشباه، ثم قس [٦٩/ أ] الأمور عند ذلك واعتمد إلي أحبها إلي الله تعالي وأشبها، فما تري اجعل للمدعي أمداً ينتهي إليه، فإن أحضر بينة وإلا وجهت عليه القضاء، فإن ذلك أجلي للعمى وأبلغ في العذر، والمسلمون عدول بعضهم علي بعض إلا مجلوداً في حدٍ، أو مجرباً بشهادة الزور، أو ظنيناً في ولاء أو قرابة، فإن الله تولي منكم السرائر ودرأ عنكم الشبهات. ثم إياك والضجر والقلق والتأذي بالناس، والتنكر بالخصوم في مواطن الحق التي يوجب الله بها الأجر