للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أزنى من (فلانة) يكون قذفاً صريحاً لزوجته وكنايه في قذف فلانة، لأنه صريح فيها بلفظ الزني، وأدخل ألف المبالغة زيادة في تأكيد القذف كما دخلت الألف في أكبر مبالغه للتعظيم، فالمبالغة إن لم ترد في هذا القذف شراً لم ترد خيراً.

وأما في فلانة يحتمل الاشتراك ويحتمل السلب كقول القائل: زيد أعلم من عمر ويكون تشريكاً بينهما في العلم وتفصيل زيد على عمرو والسلب ما ذكرنا في أهل النار فيرجع فيه إلى إرادته.

وأما إذا قال: أنت أزنى الناس لا يكون قاذفاً صريحاً للمعنى الذي ذكرنا، ولأنًا نتحقق كذبه فإن الناس كلهم ليسوا زناة ولا تكون هي أزني من جميعهم، وقال صاحب " الحاوي ": الصحيح عندي أنه يكون قذفاً صريحاً، لأن لفظ المبالغة في الصفة إذا أضيف إلى جماعة فيهم مشارك فيها ومخالف حملت علي المشاركة في إثبات الصفة ولا تحمل علي المخالفة في نفيها، كما لو قال: زيد أعلم أهل البصرة ومعلوم علماء وغير علماء كان محمولاً علي إثبات علمه في التشريك بينه وبين علمائها، ولا يحمل على نفيه في التشريك بينه وبين جهالها فيحمل ههنا أيضاً على مبالغة إضافته إلي الزيادة، وإن كان في الناس زناة وغير زناة وليس في القذف أبلغ من هذا، لأنه جعله أزنى من كل زانٍ وأيضاً لو قلنا لا يكون صريحاً لما ذكر من التعليل من تيقن كذبه لخرج بهذا التعليل من كنايه القذف أيضاً فلا يصير قذفاً، وإن أراده، لأن القذف ما احتمل الصدق والكذب.

فأما ما قطع فيه بالصدق، أو قطع فيه بالكذب لا يكون قذفاً كما لو قال لبنت شهر: زنيت لا يكون قذفاً وكذلك لو قذف من ثبت زناها لم يكن قذفاً بصحته.

وحكي عن المزني أنه قال: لا يكون كناية أيضاً لهذه العلة، ولكنه لم يوجد هذا في مختصره ولا في جامعه [ق ١٣ أ] ولو قال: أردت أنها أزنا من زناة الناس فقد قذفها صريحاً وعليه الحد لها، ولا يكون قاذفاً لزناة الناس لأنهم غير متعينين. وكذلك لو قال في الناس زناة وأنت أزنى منهم.

قال أصحابنا: ولو قال الناس كلهم زناة وأنت أزنى منهم لا يكون قذفاً، لاَنَّا نعلم كذبه فإن الناس كلهم ليسوا زناة، وكذلك لو قالوا لامرأة: أنت زانيه، ثم قال لامرأته: وأنت أزنا منها كان قاذفاً لهما، ولو قال لامرأته: وأنت أيضاً فيه وجهان:

أحدهما: يكون قاذفاً.

والثاني: يكون كنايه كما لو قال: أنت كهي أو شريكتها.

وكذلك لو قال: أنت أزنى من أهل طبرستان لا يكون قذفاً لما ذكرنا أن أهل طبرستان كلهم ليسوا بزناه إلا أن يقول: أردت أنك من زناه أهل طبرستان فيكون قذفاً، لأنه لو صرح هكذا كان قذفاً أيضاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>