للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وصفته بصفه النساء في الزنى، والزنى من الزني التمكين وهذا الوصف من الرجال مستحيل فلا يكون قذفاً. وهذا غلط لأن العلامة الفاصلة بين الذكور والإناث سقط اعتبارياً [ق ١٤ أ] عند الإشارة إلي العين كما لو قال لأمته: أنت حر ولعبده أنت حرة.

وأما ما ذكره لا يصح لأنه لوقال لها: يا زان جعل قاذفاً بالإجماع وقد وصفها علي زعمك بصفه الرجال في الزنى، والزنى في الرجال الإيلاج وذلك في النساء مستحيل.

فإن قلتم: مرادنا زانية ولكنه أسقط الهاء لمعني من المعاني قلنا: وكذلك مرادها يا زان ولكنها ألحقت الهاء لمعني المبالغة كما يقال: فلانة راويه الأخبار إذا كان كثير الرواية لها، وفلان نسابة وعلامة، وقال الله تعالى: {بَلِ الإنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (١٤)} [القِيَامَة: ١٤]، وقال الله تعالى: {وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ (١)} [الهُمَزة: ١]. ثم قال لها المزني قال الشافعي: " قال بعض الناس - يعني أبا حنيفة - إذا قال لها: يا زان لا عن أوحُدَّ " لان الله تعالي قال: {وقَالَ نِسْوَةٌ فِي المَدِينَةِ} [يُوسُف: ٣٠]

ولو قالت له: يا زانية لم يُحدّ، قال الشافعي: "وهذا جهل بلسان العرب إذا تقدم فعل الجماعة من النساء كان الفعل مذكراً مثل قال نسوه وخرج النسوة وإذا كانت واحدة فالفعل مؤنث مثل قالت: وخرجت وجلست " ومراد الشافعي أبطل تعليل أبي حنيفة حيث علل فقال: إذا قال لها: يا زان كان قذفاً، لأن الله تعالي قال: وقالت نسوه وإنما التعليل ما ذكر الشافعي أنه ترخيم، والترخيم عاده مشهورة في كلامهم.

فأما إطلاق الزاني والسارق للمؤنث لا علي طريق الترخيم لا يجوز في كلام العرب بحالٍ، فإن قال قائل، قال الشافعي إذا قالت له: يا زانية أكملت القذف وزادته حرفاً أو اثنين ونحن نعلم أن مقدار الزيادة لا يخفي علي الشافعي فلم أخرج كلامه مخرج للشك؟ قيل: الفاعل إذا كان من باب الناقص مثل الرامي. وقد قال الشافعي: المعروف في كلام العرب أنهم يقولون زنا بغير همز إذا أراد والفاحشة وزنا بالهمزة إذا أرادوا الترقي في الجبل، فكيف يجعل صريحاً في القذف وهو يحتمل معني الصعود؟

فإن قيل: إذا أرادوا منه الصعود قالوا: زنا علي الجبل، وإذا قالوا: زنا في الجبل لم يصلح ذلك اللفظ للصعود وظاهره الفاحشة. قلنا: ليس كذلك بل يستعمل هذا اللفظ مهموزاً مع كلمه في والمراد به الصعود.

وقال ابن السكيت في كتابه حكاية عن امرأة من العرب ترقص ابنها وتقول:

أشبه أبا أمك أو أشبه جمل ... ولا تكونن كهلوف وكل

[ق ١٠ أ].

يصبح في مضجعه قد انجدل وأرق إلي الخيرات زنا في الجبل

وقوله: " أشبه أبا أمك " يعني أباها الذي هو جد لأمه، أو أشبه جمل هو اسم نجيب من قومه ولعله أبوه، ومعناه أشبه هذا وهذا، ولا تكن كهلوف. والهلوف: الرجل الجافي

<<  <  ج: ص:  >  >>