وقال أبو حنيفة: يقبل لأنه لا يحتاج إلى ذكر القذف في الشهادة فيكون لغواً غلط. قال الشافعي: كل واحد من الكلامين غير الآخر فلم تتفق شهادتهما على شيء واحد. وعلى ما ذكرنا لو شهد أحدهما أنه أقر عندي أنه قذفها بالعربية، وشهد الآخر أنه أقر عندي أنه قذفها بالعجمية، وشهد الآخر أنه قذفها وشهد الآخر أنه أقر بقذفها لا تقبل، ولا تتم الشهادة في القذف ولا في الإقرار بالقذف، ولهذا لا تقبل شهادة شهود الرؤيا؛ لأن كل واحد منهم يثبت فعلاً غير الفعل الذي يثبته الآخر.
وأما إذا شهد أحدهما أنه أقر عندي بالعربية أنه قذفها، وشهد الآخر أنه أقر عندي بالفارسية أنه قذفها قبلت شهادتهما وحكم بها؛ لأن القذف لم يختلف وإنما اختلف الإقرار بالقذف، ويجوز أن يعبر عن القذف الواحد لأحد الشاهدين بالعربية وللآخر بالعجمية. وكذلك إذا شهد أحدهما أنه أقر عنده يوم الخميس أنه قذفها وشهد الآخر أنه أقر عنده يوم الجمعة أنه قذفها يحكم شبهادتهما؛ لأن الإقرار يختلف والقذف غير مختلف، لأنه يجوز أن يقر بالقذف الواحد لأحد الشاهدين يوم الخميس وللآخر يوم الجمعة. وجملته أنهما إذا أثبتنا قذفين أو أثبت أحدهما قذفاً والآخر أقر بالقذف لم تتم الشهادة في واحد منهما، وإذا أثبتا إقرارين والقذف غير مختلف تمت الشهادة (ق ٣٤ ب) ووجب الحكم.
فرع:
قال القاضي الطبري: سمعت بعض مشايخنا يقول: إذا شهد ثلاثة أنفس اثنان على فعل الزنى والآخر على الإقرار بالزنى، فإن الشهادة لم تتم على واحد من الفعل والإقرار، ولا يجب على شاهد الإقرار، ولا يجب على شاهد الإقرار شيء، وهل يجب على شاهدي الفعل حد القذف؟ قولان، وإن شهد اثنان على فعل الزنى وشهد اثنان على الإقرار بالزنى، فإن قلنا الإقرار بالزنى يثبت بشاهدين يلزمه الحد ولم يجب على شاهدي الفعل شيء.
وإن قلنا الإقرار بالزنى لا يثبت إلا بأربعة لم تتم الشهادة في الفعل والإقرار، ولا يجب على شاهدي الإقرار شيء، وهل يجب على شاهدي الفعل حد القذف قولان.
فرع آخر:
حكي الاصطخري أنه قال: إذا شهد أحدهما أنه قال: القذف الذي كان مني كان بالعربية، وشهد الآخر أنه قال: القذف الذي كان مني بالعجمية فيه وجهان:
أحدهما: لا تتم الشهادة لأنهما قذفان.
والثاني: تتم الشهادة لأنه أقر بالقذف وقوله بعد هذا كان بالعربية أو بالعجمية إسقاط منه لإقراره فلا يلتفت إليه.