وذهبت طائفة إلى أن المراد بها الحيض، وبه قال عمر وعلي، وابن مسعود وابن عباس، وأبو موسى، وأبي بن كعب، وأهل البصرة، والحسن والبصري وعبيد الله العنبري، والأوزاعي وأهل الكوفة، والثوري، وابن أبي ليل، وابن شبرمة، وأبو حنيفة وأصحابه، وإسحاق رضي الله عنهم.
وروى عن علقمة أنه قال: جاءت امرأة إلى عمر رضي الله عنه فقالت: إن زوجي طلقني ثم تركني حتى رددته أبي وخلعت ثيابي فقال: قد راجعتك قد راجعتك، فقال عمر لابن مسعود رضي الله عنهما ما تقول فيها؟ قال: أرى أنه أحقبها حتى تغتسل من الحيضة الثالثة، وتحل لها الصلاة، فقال عمر: وأنا أرى ذلك.
وحكي أن الشافعي وأبا عبيد القاسم بن سلام: تناظرا وكان الشافعي يقول: إنها الحيض، وأبو عبيد يقول: إنها الأطهار، فلم يزل الشافعي يقرر عليه أن القرء الحيض من حيث الفقه، وأبو عبيد يقرر عليه مذهبه من حيث اللغة حتى قاما وقد انتحل كل واحد منهما مذهب صاحبه، إلا أنه لم يوجد في كتب الشافعي أن الأقراء الحيض ولا في كتب أبي عبيد أن الأقراء الأطهار.
وفائدة الخلاف أن عندنا إذا طلقها وهي طاهرة تحتسب ببقية الطهر قرأ ثم تعتد بطهرين آخرين، وعندهم لا تحتسب (ق ٤٣ أ) بهذا الطهر بل تعتد الحيض التي أيامها ثم بحيضتين، وإن طلقها في حال حيضها لا تحتسب ببقية الحيض بالاتفاق فعندنا تعتد بثلاثة حيض كوامل، فإذا طهرت من الحيضة الرابعة انقضت عدتها. فعلى قولنا تسبق انقضاء العدة بكل حال سواء طلقها في الطهر أو في الحيض، فاستدل الشافعي على أنها الأطهار لقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وأَحْصُوا العِدَّةَ}[الطلاق:١] ومعناه: طلقوهن في زمان عدتهن، وإنما عبر عن "في" اللام، لأن حروف الجر يقوم بعضها مقام بعض، قال الله تعالى:{ونَضَعُ المَوَازِينَ القِسْطَ لِيَوْمِ القِيَامَةِ}[الأنبياء:٤٧] أي في يوم القيامة ولم يذكر الزمان فيه؛ لأن العدة مصدر والمصادر يعبر بها عن الزمان.
فإذا ثبت هذا كان تقديره في زمان عدتهن، وقد أجمع المسلمون على أن الطلاق محرم في حال الحيض، فدل على أن زمان العدة هو زمان الطهر، وهذا لاشك فيه لمن تأمل، والذي دل على أن المراد به ما ذكرناه أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ:"فطلقوهن لقبل عدتهن". وشك الشافعي أنه قرأ لقبل عدتهن وقبل الشيء ما أقبل منه فأمر بالطلاق في إقبال زمان العدة، وقد أجمعوا على أن إقبال زمان الطلاق هو إقبال الطهر فيجب أن يكون هو زمان العدة، وهكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه:"مر ابنك فليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك وإن شاء طلق" فتلك العدة التي أمر الله تعالى أن يطلق لها النساء إشارة (ق ٤٣ ب) إلى قوله تعالى.