للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قال قائل: كيف يستقيم وضع القرء في هذا الموضع موضع الشهور وقد قلت: لا تنقضي عدة ذات القرء إلا برؤية ثلاث حيض والشافعي ذكر حيضتين؟ قلنا: ذات القرء إذا طلقت في آخر طهرها فرأت حيضةً ثم طهرًا ثم حيضة انقضت عدتها بالطعن في الحيضة الثالثة، فليس في خلال عدتها إلا حيضتان، فأما الحيضة الثالثة فبعد العدة فربما ترتاب وهي في خلال [ق ٨٢ أ] الحيضة الثالثة فنأمرها باستبراء نفسها من الريبة، ومن المحتمل أن يقال: استعمل الشافعي لفظ الشهور في ذوات القرء على معنى أن القرء يمضي عليها في ثلاثة أشهر على غالب عادات النساء فاستغنى عن التغليظ.

فإن قيل: أفلا يحتمل أن يكون مراد الشافعي بذكر هذه الشهور شهور الوفاة على قصد تصوير المسألة في المتوفي عنها، وتقدير كلامه: "إلا أنها إن ارتابت استبرأت نفسها من الريبة" كأنها حاضت في الشهور الأربعة حيضتين ثم ارتابت. قلنا: قوله: "كما لو حاضت" كلمة قياس وتشبيه لا كلمة تصوير فلا يصح هذا. وأيضًا المتوفي عنها زوجها سواء رأت في الشهور الأربعة حيضتين أو ثلاثًا أو أربعًا، فإذا ارتابت بعد العدة كان عليها الاستبراء فلا فائدة لذكر الحيضتين على هذا التأويل.

مسألة:

قَالَ: "وَلَوْ طَلَّقَهَا مَرِيضًا ثَلَاثًا فَمَاتَ مِنْ مَرَضِهِ".

الفصل:

قد ذكرنا ميراث المبتوتة في المرض، واختار المزني أنها لا ترث، وبسط الكلام ههنا فقال: "قَدْ قِيلَ: لَا تَرِثُ مَبْتُوتَةً وَهَذَا مِمَّا أَسْتَخِيرُ اللهُ تَعَالَى فِيهِ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَهَذَا قَوْلٌ يَصِحُّ لِمَنْ قَالَ بِهِ" قَالَ المُزَني: "فَالاسْتِخَارَةُ شَكٌ وَقَوْلُهُ يَصِحُّ إِبْطَال الشَّكِّ" فقال المزني: الاستخارة ليس بشكٍّ كما أطلقت، ولكن يريد بالاستخارة تفويض العلم إلى الله تعالى، ومسألة الخيرة منه.

ثُمَّ قَالَ: "وَهَذَا أَوْلَى بِقَوْلِهِ وَبِمَعْنَى ظَاهِرِ القُرْآنِ؛ لأَنَّ اللهَ تَعَالَى وَرَّثَ الزَّوْجَةَ مِن زَوْجٍ يَرِثُها إِنْ مَاتَتْ قَبْلَهُ فَلَمَّا كَانَتْ إِنْ مَاتَتْ لَمْ يَرِثُهَا وَإِنْ مَاتَ لَمْ تَعْتَدَّ مِنْهُ عِدَّةُ مِنْ وَفَاتِهِ فَلَا تَرِثَ هِيَ مِنْهُ مِيرَاثُ الزَّوْجَاتِ؛ لأنَّ النَّاسَ يَرِثُونَ مَنْ حَيْثُ يُورَثُونَ".

ثم قال: واحتج الشافعي على أبي حنيفة [ق ٨٢ ب] في باب القافة حيث ورث أبو حنيفة أبوين من ابنٍ واحدٍ ملحق بهما جميع ماله على الشركة بينهما نصفين، وورث الابن جميع مال كل أبٍ على الخلوص إذا لم يكن له وارث غيره، فقال الشافعي: "إِنَّمَا يَرِثُ النَّاسُ مِنْ حَيْثُ يُورَثُونَ، فَإِنْ كَانَا يَرِثَانِهِ نِصْفَيْنِ بِالبُنُوَّةِ فَكَذَلِكَ يَرِثُهُمَا نِصْفَيْنِ بِالأَبُوَّةِ" فأخذ المزني هذا الاحتجاج من الشافعي واحتج به في هذه المسألة فقال: إِنَّمَا تَرِثُ

<<  <  ج: ص:  >  >>