وكان يوم سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن تسع سنين ولم يقل يوم سمع وإنما كان كذلك لأنه صلى الله عليه وسلم، لما قدم المدينة قالت اليهود قد سحرنا محمدًا وأصحابه فلا يولد لأحد منهم فيقال: نسلمهم فمكثوا حولًا لا يولد لمسلم ابن فاغتنم به المسلمون فولد عبد الله بن الزبير على تمام الحول فهو أول ولد ذكر ولد في الإسلام بعد الهجرة فحنكه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أتى به وكبر وكبر المسلمون، وقالت أمه يوم قتله الحجاج وكبر أصحابه عليه: المكبرون عليه يوم ولد خير من المكبرين عليه يوم قتل، تعني النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ففرحوا بمولده وأصحاب الحجاج فرحوا بقتله.
واحتج أيضًا بما روى عروة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر امرأة أبي حذيفة أن ترضع سالمًا خمس رضعات فيحرم بهن، وروت عائشة رضي الله عنها قالت: جاءت سهلة بنت سهل بن عمرو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أرى من وجه أبي حذيفة من دخول سالم علي قال: أرضعيه قالت: وهو رجل كبير فضحك [ق ١٤٩ ب] وقال: "ألست أعلم أنه رجل كبير أرضعيه" فأرضعته خمس رضعات فكان بمنزلة ولدها من الرضاعة.
وروى عبد الله بن الحارث عن أم الفضل أن رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني تزوجت امرأة ولي امرأة أخرى فزعمت امرأتي الحدثى أنها أرضعت امرأتي الأولى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا يحرم الإملاجة ولا الإملاجتان" أورده الحاكم أبو عبد الله الحافظ.
واحتجوا بما روى علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"تحرم الرضعة بما يحرم الحولان" قلنا: لم يصح هذا مسندًا، وإنما هو موقوف على علي رضي الله عنه وليس فيه حجة لأن الحولين لا يحرمان.
فإذا تقرر هذا فاعلم أن حكم الرضاع إنما يثبت إذا كان المرضع صغيرًا وهو أن يكون له حولان فما دونه، فأما بعد الحولين لا يثبت حكمه من التحريم، وبه قال عمر، وابن مسعود، وابن عباس، والشعبي، وابن شبرمة، والأوزاعي، ومالك في إحدى الروايات، وأحمد، وإسحاق، وأبو يوسف، ومحمد، وروى عن مالك أنه إن زاد على حولين شهرًا جاز، وروى شهرين، وروى عنه وهو المشهور ثبت حكمه إذا كان محتاجًا إليه غير مستغن بالطعام عنه وهذا غلط لأنه يختلف باختلاف الصبيان فلا يجوز أن يجعل هذا حدًا، وقالت عائشة رضي الله عنها: رضاع الكبير يحرم أبدًا، وبه قال داود أهل الظاهر، واحتجوا بخبر سهلة بنت سهل.
وروي أنها قالت: إنا كنا نرى سالمًا ولدًا وكان يأوي معي ومع أبي حذيفة في بيت واحد ويراني فضلًا، وقد أنزل الله تعالى الحجاب فكيف ترى فيه؟ فقال:"أرضعيه" الخبر وقولها: ويراني فضلًا أي يراني مبتذلة في ثياب مهنتي. وكانت عائشة تأمر بنات أخواتها وبنات إخوتها أن يرضعن [ق ١٥٠ أ] من أبت عائشة أن يراها ويدخل عليها، وإن كان كبيرًا خمس رضعات ثم يدخل عليها وهذا غلط لما روي عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها رجل فشق عليه وتغير وجهه فقالت: يا رسول