للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: هو مخير [ق ٢٣٨ ب] بين الإجلاس وبين أن يروغ له اللقمة واللقمتين لأن النبي صلى الله عليه وسلم خير بينهما، وقال الزهري: الترويغ أن يرويها له بالدسم والدهن، ويحتمل أن يريد بالترويغ الاختزال فقط.

وقال بعض أصحابنا: هذا الحكم فيمن باشر ذلك؛ لأنه نفس من باشره يتوق إليه أكثر مما تتوق نفس من لم يباشرها.

وقال بعضهم: هذا فيمن يتولى ذلك وفيمن لم يتول ذلك سواء، إلا أن هذا في الذي قولي ذلك أشد استحبابًا، وهذا أجود عندي، والأكلة مضمومة الألف اللقمة والأكلة بفتح الألف المدة الواحدة من الأكل.

وروي في الخبر: "فإن كان الطعام مشفوعًا فليضع في يده أكلة أو أكلتين" والمشفوه القليل، سمي بذلك لكثره الشفاه التي تجتمع على أكله.

ثم قال الشافعي رحمه الله: وهذا يدل على ما وصفنا من بيان طعام المملوك وطعام سيده بترويغ لقمة المملوك عرفنا أنه ليس من المعروف أن يكون طعام العبد مثل طعام السيد في جميع الحالات، ولكن يختلف باختلاف العادات، وكان الإمام القفال يقرأ من بيان طعام المملوك بكسر الباء ويذهب إلى مصدر المباينة، وهذا حسن لولا الواو في العطف حيث قال من بيان طعام المملوك وطعام سيده، ولو كانت من المباينة لكانت الواو محذوفة لأنك تقول هذا الشيء يباين هذا الشيء أو تقول مباينة الشيء الشيء.

ثم قال الشافعي رحمه الله: والمملوك الذي يلي طعام الرجل مخالف عندي المملوك الذي لا يلي طعامه، وينبغي أن يناوله منهما تقر إليه ولو لقمة، فإن المعروف أن لا يأكل طعامًا قد ولي العمل فيه، ثم يناوله منه شيئًا يرد به شهوة، وأقل ما يرد به شهوته لقمة وغيره من المماليك لم يله ولم يره والسنة خصت هذا من المماليك دون غيره.

ثم أورد الشافعي من القرآن العظيم مثالًا [ق ٢٣٩ أ] بتخصيص هذا المملوك دون غيره.

فقال: وفي القرآن ما يدل على ما يوافق بعض معاني هذا، قال الله تعالى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا} [النساء: ٨] ولم يقل يرزق مثلهم ممن لم يحضر، وقيل: ذلك في المواريث وغيرها من الغنائم وهذا أحب إليّ، ويعطون ما طابت به نفس المعطي بلا توقيت، ولا يحرمون، فحصل من هذا المثال أن المساكين أو القربى أو اليتامى إذا حضروا مجلس القسمة، والورثة يقتسمون المواريث، أو كان الغانمون يقتسمون الغنائم، فالمستحب أن يعطي من حضر وذلك المقدار غير مقدر.

ثم رجع الشافعي إلى تفسير قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يكلف من العمل ما لا يطيق والذي رويناه في خبر أبي ذر رضي الله عنه فقال: ومعنى ذلك والله أعلم ما يطيق الدوام عليه لا

<<  <  ج: ص:  >  >>