من ذلك كله فإن كان له مال ظاهر أنفق الحاكم عليها من ماله، وإن لم يكن له مال ظاهر باع من البهيمة جزءًا وأنفق على الباقي، وهذا لأن للحيوان حرمة مثل ما للعبد.
قال أصحابنا: لو كان بدابته جرح ولا يجد خيطًا يخيط به في ملكه له أن يغضب خيطًا بالقيمة، ولو لم يجد علفه إلا مع رجل لا يبيعه وقد فضل عن حاجته والدابة مشرفة على الهلال له أن يغصب علفها بالقيمة كما في الآدمي سواء، وبه قال أحمد.
وقال أبو حنيفة: لا يجبر على ذلك ولا يباع [ق ٢٤٨ ب] من ماله شيء لنفقتها ولكنه يأمره بذلك كما يأمره بالمعروف، وهذا غلط لأنها نفقة واجبة عليه فكان للسلطان إجباره كنفقة العبيد، وإن كانت في الصحراء، فإن العرف فيها الرعي دون العلف فلا يكلف صاحبها العلف ولكنه يخير بين أن يخليها للرعي وبين ما ذكرنا، فإن جذبت الأرض فلم يكن فيها متعلق أو أنبتت ولكنه لا يكفيها فحكمها حكمها إذا كانت في البلد على ما بيناه.
وقد قال الشافعي ببعض البهائم لا تستوفي كفايتها بالرعي مثل البغل والحمار فيلزمه أن يعلفها كفايتها. قال أصحابنا: إنما قال ذلك على عادة مصر لأن المرعى بها ضعيف لقلة الأمطار. وقيل: غن مصر لا يقع فيها مطر، وإذا رأى أهلها سحابة استغاثوا ودعوا الله تعالى في إزالتها عنهم، وخافوا الهدم، فإنه ليس لهم المزاريب التي يكون في بلادنا، وإذا كان كذلك نقل النبات في صحاريها فلا يكفي الدواب رعيه ولا تستقل، فأما في الموضع الذي يكثر فيه الرعي والكلأ، فإن الدواب يكتفي بالرعي فيه.
وأما إذا كان للبهيمة ولد فأراد صاحبها أن يحلب لبنها، فالحكم فيه كما ذكرنا في الأمة إلا أنه يحلب ههنا الفصل عن ري الولد وتعني بالري ما يقيمه حق لا يموت وهناك يسترضع ولدًا آخر.
وأما الأملاك التي لا روح فيها كالعقار والأشجار، فلا يجب عليه عمارتها لأن ذلك تنمية للمال ولا يتعلق لحق ذي زوج، والأصل في جميع ما ذكرنا ما روي عن ضرار ابن الأزور. قال: أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقحة فأمرني أن أحلبها فحلبتها فجهدت حلبها، فقال:"دع داعي اللبن".
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"اطلعت على النار فرأيت فيها امرأة تعذب في هرة ربطتها لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من حشاش الأرض"[ق ٢٤١ أ] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن مومسة من بني إسرائيل مرّت بكلب على رأس بئر يلهث عطشًا فشدت برطها