في جماعة أخرى، وهل يكره؟ وجهان. وان كانت غيرهما يعيدها استحباباً، وان كانت مغرباً قد قيل: هي كالظهر. وقيل: يكره حتى لا يصير الوتر شفعاً، والأول أصح.
ومن أصحابنا من مال: ينظر في الجماعة الثانية، فإن كانت فيها زيادة فضيلة بالإمام أو المسجد أو بكثرة الجماعة يعيدها، وإلا فلا يعيدها. ذكره الإمام سهل والمنصوص الأول، وهو الأصح، لأن فيه غرضاً وسبباً ظاهراً، وهو استدراك زيادة الفضيلة، وبهذا قال علي وأنس وحذيفة وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والزهري والحسن وأحمد واسحق رضي الله عنهم.
وروي عن أحمد أنه قال:"لا يعيد الفجر والعصر إلا مع إمام الحق دون غيره". وقال مالك:"إن صلاها في جماعة لا يعيدها، وإن صلاها في غير جماعة يعيد إلا المغرب". وقال النخعي والأوزاعي:"يعيد الكل إلا المغرب والصبح". وبه قال أبو ثور. وروى عن الحسن وحكي عن الأوزاعي مثل قول مالك. وقال أبو حنيفة: ا (لا يعيد إلا صلاتي الظهر والعشاء، فأما الصبح والعصر والمغرب، فلا يعيدها". واحتج بما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا تصلوا صلاة في يوم مرتين".
وروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس". وأما المغرب لو أعادها صارت وترين من جنس واحد، ولأن الوتر لا يتنفل بهاء وهذا غلط لما أشار إليه الشافعي رضي الله عنه من الخبر. وتمامه ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - "صلى بالمدينة يوماً صلاة الصبح، فلما انفتل منها رأى رجلاً منعزلاً لم يكن صلى معهم، فقال له:"ما لك لم تصل معنا"؟، فقال: كنت قد صليت، فقال له:"إذا جثت فصل، وإن كنت [١٣٠ ب / ٢] قد صليت".
وروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى صلاة الصبح في مسجد الخيف، فلما انفتل من صلاته رأى رجلين منعزلين في ناحية المسجد، فقال:"علي بهما"، فأتى بهما ترعد فرائصهما، فقال لهما:"هونا على أنفسكما، فإني لست بملك، وإنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد"، ثم أعرض عنهما حتى سكن ما بهما، ثم قال لهما:"ألستما برجلين مسلمين؟! فقالا: بلى، يا رسول الله، فقال: "لم لم تصليا معنا"؟ فقالا: كنا قد صلينا في رحالنا، فقال: "فلا تفعلا إذا جئتما، فصليا، وان كنتما قد صليتما في رحالكما يكون لكما سبحة"، أي: نافلة.