فقال له الرشيد: تدارك هذا الأمر بحيلة لئلا يكون منه فتنة.
فخرج أبو يوسف وطالب أولياء المقتول بالبينة على صحة الذمة، وأداء الجزية فلم يأتوا بها فأسقط القود وحكم الدية، وهذا إذا كان مفضياً إلى استنكار النفوس وانتشار الفتن كان العدول عنه أحق وأصواب.
فصل:
فإذا ثبت أن المسلم لا يقتل بالكافر فحالهما تنقسم أربعة أقسام:
أحدها: ما لا يقتل به، وتجب عليه دية كافر، وهو أن يبتدئ المسلم بقتل الكافر توجيه فلا يجب القود لإسلام القاتل، وتجب به دية كافر لكفر المقتول.
والثاني: ما لا يجب فيه القود، وتحب فيه دية مسلم، وهو أن يجرح المسلم كافراً، ثم يسلم المجروح، ويموت مسلماً، فلا قود على المسلم، لأن المقتول وقت الجرح كان كافراً، وفيه دية مسلم، لأنه مات من الجرح مسلماً، لأن الاعتبار في القود بحال الابتداء، وفي الدية بحال الانتهاء.
والثالث: ما يقتل به المسلم ولا يجب فيه الدية كافر، وذلك في حالتين:
إحداهما: أن يقتل كافر كافراً ثم يسلم القاتل به، وإن كان مسلماً اعتباراً بحال القتل، ولا تجب عليه إلا دية كافر، لأن المقتول مات كافراً.
والثانية: أن يطلب المسلم نفس الكافر فيجوز للكافر أن يقبل طالب نفسه، وإن كان مسلماً فلو قتله المسلم الطالب لم يجب عليه إلا دية كافر، ولو قتل المسلم لم يجب له دية لأن نفس المطلوب مضمونة، ونفس الطالب هدر.
والرابع: ما اختلف القول فيه، وهو أن يقتل مسلم كافراً في الحرابة، ففي قتله به قولان للشافعي:
أحدهما: وهو المشهور عنه أنه لا يقتل به لعموم النهي.
والثاني: ذكره الشافعي في موضع وقال: هذا مما استخير الله فيه أن يقتل به، لأن في قتل الحرابة حقاً لله تعالى يجب أن يستوفي ولا يجوز العفو عنه فاستوي فيه قتل المسلم والكافر، وهو في غير الحرابة حق لآدمي يجوز العفو عنه فسقط في حق الكافر، ولو قتل مرتد كافراً لم يجب عليه القود، وإن اتفقا على الكفر لما ثبت له من حرمة الإسلام، وما أجرى عليه من أحكامه.
مسألة:
قال الشافعي: "قال: ولا يقتل حر بعبد".