قال في الحاوي: وهذا كما قال: إذا اشترك الجماعة في جرح أو قطع طرف اقتص من جميعهم وقال أبو حنيفة والثوري: لا قصاص عليهم إذا اشتركوا في الأطراف، وإن وجب عليهم القصاص إذا اشتركوا في النفس استدلالاً بما قدم ذكره من أن التساوي معتبر في الأطراف دون النفس، لأن اليد السليمة لا تؤخذ بالشلاء، وتقتل النفس السليمة بالنفس السقيمة ودليلنا ما روي أن رجلين شهدا عند علي بن أبي طالب، رضوان الله عليه، على رجل بالسرقة فقطع يده ثم عادا، ومعهما آخر فقالا: أخطأنا في الشهادة على الأول وهذا هو السارق، فرد شهادتهما، ولم يقطع الثاني وقال: لو علمت أنكما تعمدتما لقطعتكما.
فدل على جوازه قطع اليدين باليد الواحدة، ولأن كل جناية لو انفرد بها الواحد أقيد، وجب إذا اشترك فيها الجماعة أن يقادوا، كالجناية على النفوس، ولأنه قود يستحق في النفس فوجب أن يستحق في الطرف كالواحد، ولأن حرمة النفس أغلظ من حرمة الطرف فلما أقيدت النفوس بنفس، فأولى أن تقاد الأطراف بطرف، وقد أجبنا عن استدلالهم بأن التساوي معتبر في الأطراف، دون النفوس بأنهما سواء عندنا في اعتبار التساوي فيهما على ما بيناه.
فصل:
فإذا ثبت قطع الأطراف بطرف فاعتبار الاشتراك فيه أن يجتمعوا على أخذ السيف بأيديهم كلهم، ويعتمدوا جميعاً في حال واحدة على قطع اليد فحينئذ يصيروا شركاء في قطعها، فتقطع أيديهم بها.
فأما إذا انفرد كل واحد منهم بقطع موضع منها حتى بانت، إما في موضع منها أو في مواضع، أو يقطع أحدهما من باطن اليد والآخر من ظاهرها حتى يلتقي القطعان فتبين اليد وتسقط فليس هذا اشتراكاً في الفعل الواحد فلم يجب على الواحد منهم قود، وأخذ بأرش جنايته. فأما اشتراكهم في جرح موضحه فإن اجتمعوا على سيف واحد، أوضحوه به في حالة واحدة، وجب على كل واحد منهم القصاص في مثل تلك الموضحة، وإن عفا عن القصاص كان على جماعتهم دية موضحة واحدة، وإن تفرد كل واحد منهم بأن أوضح منها موضعاً حتى اتسع اقتص من كل واحد منهما مثل ما أوضح، لأن القصاص يجب في صغير الموضحة كما يجب في كبيرها فإن عفا عن القصاص كان على كل واحد منهم دية موضحة، لأن دية الموضحة إذا صغرت كديتها إذا كبرت.
مسألة:
قال الشافعي: "ولا يقتص إلا من بالغ، وهو من احتلم من الذكور أو حاض من