فإن قيل: إنما قتله لنقض عهده لا لقتله فعنه جوابان:
أحدهما: أنه حكم ورد على سبب فوجب أن يكون محمولاً عليه.
والثاني: أنه لما قتله بمثل ما قتل من الحجر دل على أنه مماثلة قود لا لنقص عهده.
وحكي الساجي عن بشر بن المفضل قال: قلت لأبي حنيفة: يجب القود على من قتل بالمثقل: قال لو رماه لم يجب عليه القود.
قلت: قد روى شعبة عن هشام بن زيد عن جده أنس بن مالك: أن يهودياً رض رأس جارية بحجر فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتل بين حجرين فقال: هذا بهذا.
وبمثل هذا القول لا تدفع أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم.
وروى ابن جريج عن عمرو بن دينار عن طاوس عن حمل بن مالك بن نابغة الكلابي قال: كنت بين جاريتين لي - يعني زوجتين - فضربت إحداهما الأخرى بمسطح، والمسطح عمود الخيمة، فقتلتها وما في جوفها، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنين بغرة عبد أو أمة، وأن يقتل مكانها.
ولا يعارض حديث المغيرة، لأنه أجنبي من المرأتين، وحمل ابن مالك زوج الضرتين، فكان بحالهما أعرف.
ومن المعنى: أن المثقل: أحد نوعي ما يقصد به القتل في الغالب فوجب أن يستحق فيه القود كالمحدد، ولأن ما وجب القود في محدده وجب في مثقله كالحديد، ولأن القود موضوع لحراسة النفوس كما قال الله تعالى:{ولَكُمْ فِي القِصَاصِ حَيَاةٌ}[البقرة: ١٧٩] فلو سقط بالمثل لما انحرست النفوس، ولسارع كل من يريد القتل إلى المثقل ثقة بسقوط القود وما أدى إلى إبطال معنى النص كان مطرحاً فأما الجواب عن قوله:"لا قود إلا بالسيف" فظاهرة حال استيفاء القود أنه لا يكون إلا بالسيف، ونحن نذكره من بعد، وقوله:"كل شيء خطأ إلا السيف" فقد رواه أحمد بن حنبل في مسنده "كل شيء من خطأ إلا السيف" وهذا أولى لزيادته، ولو لم تنقل الزيادة لكان الخبر محمولاً عليه بأدلتنا، وقوله: ألا إن في قتيل الخطأ بالسوط والعصا مائة من الإبل" فلا دليل فيه من وجهين:
أحدهما: أنه جعل في عمد الخطأ بالسوط والعصا الدية، ولم يجعل السوط والعصا عمدا خطأ.
والثاني: ما قدمناه أن في السوط والعصا عمداً خطاً، وليس بمانع أن يكون عمداً