فإذا ثبت توجيه القولين، فإن قلنا: إنه لا قود عليه كانت دية النصراني في ماله، سواء قتل بالردة أو رجع عنها، ويكون باقي ماله بعد الردة إن قل لبيت المال، وإن قلنا: إن القود واجب عليه فولي النصراني مخير بين القود والعفو، فإن عفا عنه إلى الدية فعلى ما مضى، وإن أراد القود فللمرتد حالتان:
إحداهما: أن يرجع إلى الإسلام، فيسقط قتل الردة ويقتل قودًا.
والثانية: أن يقيم على ردته فيقال لولي المقتول: إن عدلت إلى الدية قتلناه بالردة، وإن أقمت على ما طلب القود قتلناه قودًا، ودخل فيه قتل الردة، وكان جميع ماله فيئًا في بيت المال، ويقدم قتله بالقود على قتله بالردة لأمرين:
أحدهما: أن الخصم في القود آدمي حاضر فكان أوكد.
والثاني: أن المراد بقتل الردة أن لا يوجد منه الإقامة عليها، وهذا موجود في قتله قودًا.
فصل
فأما إذا قتل نصراني مرتدًا ففيه ثلاثة أوجه لأصحابنا: أحدها: وهو محكي عن أبي إسحاق المروزي: أنه لا قود عليه، ولا دية لأنه مباح الدم فسقط عنه الضمان كما لو قتله مسلم.
والثاني: وهو اختيار أبي علي بن أبي هريرة: أن على النصراني القود أو الدية وإن لم يجب على المسلم في قتله قود ولا دية، لأن المرتد مباح الدم في حقوق المسلمين دون الكفار، كالقاتل مباح الدم في حقوق الأولياء دون غيرهم، فإن قتله الأولياء لم يضمنوا، وإن قتله غيرهم ضمنوه.
والثالث: وهو قول أبي الطيب بن سلمة: إنه مضمون في حق النصراني بالقود دون الدية، فيقاد به النصراني، لأن القود معتبر بالمعتقد، وقد تكافآ فيه فوجب فإن عفا عنه سقطت الدية، لأنها بوجوب الحرمة، ولا حرمة لنفس المرتد، فلم تجب في قلته دية، وعكس ما قاله ابن سلمة أشبه، لأن وجوب القود أغلظ من وجوب الدية عمد الخطأ يوجب الدية، ولا يوجب القود، فلو قال: إن الدية واجبة لبيت المال دون القود لكان أشبه بالأصول.
فصل:
فأما إذا وجب قتل الزاني المحصن، فقتله رجل بغير أمر الإمام. فقد ذهب بعض أصحابنا إلى أن القود على قاتله واجب، لأن ولي قتله هو الإمام، فإذا تولاه غيره أقيد منه، كالعامل إذا قتله غير ولي المقتول أقيد به.
وظاهر مذهب الشافعي، وما عليه جمهور أصحابه: أنه لا قود، لرواية أبي صالح