وأما الجمع بين القد وحد القذف فغير صحيح، لأنهم في القود مشتركون وفي الحد منفردون، فلم يجز أن ينفرد أحدهم باستيفاء القود وجاز أن ينفرد باستيفاء الحد، وإنما اشتركوا جميعًا في القود وانفرد كل واحد في لحد لأمرين:
أحدهما: أنهم ملكوا القود ميراثًا عن ميتهم لأنه بدل عن نفسه فاشتركوا فيه كالدية وملكوا الحد نيابة عن ميتهم لنفي العار عنه فانفرد كل واحد منهم به.
والثاني: أن القود بدل فلم يسقط بالعفو حق من لم يعف، فلذلك ما اشتركوا وليس للحد بدل فانفرد، ولئلا يسقط بالعفو حق من لم يعف، وأما الدية فإنما لم تسقط بالعفو حق من لم يعف، لأنها تتبعض فصح أن ينفرد كل واحد منهما باستيفائه حقه، لأنه لا يتعدى استيفاؤه إلى حق شريكه والقود لا يتبعض ولا يمكن كل واحد منهم أن ينفرد باستيفاء حقه منه إلا بالتعدي إلى حق شريكه، فسرى العفو عن القود ولم يسر العفو عن الدية.
فصل:
فإذا ثبت أن عفو أحدهم موجب لسقوط القود في حق جميعهم انتقل الكلام إلى الدية، أما من لم يعف فقد ملكوا حقوقهم من الدية بسقوط القود ولا يقف ملك الدية على اختياره لأن القتل قد صار في حقوقهم بسقوط القود من غير اختيارهم جاريًا مجرى قتل عمد الخطأ الذي لا يجب فيه قود، ويملك به الدية بنفس القتل كذلك ها هنا، وأما الدية في حق العافي فمعتبرة بعفوه عن القود، فإن قرنه باختيار الدية وجب له حقه منها، وإن لم يقرنه باختيار الدية على ما مضى من القولين في الذي أوجبه قتل العمد، ثم على ما مضى من التفصيل.
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: "فإن عفوا جميعًا وعفا المفلس يُجني عليه أو على عبده القصاص، جاز ذلك لهم ولم يكن لأهل الدين والوصايا منهم، لأن المال لا يُملك بالعهد إلا بمشيئة المجني عليه إن كان حيًا، وبمشيئة الورثة إن كان ميتًا. قال المزني رحمه الله: ليس يُشبه هذا الاعتلال أصله، لأنه احتج في أن العفو يُوجب الدية بأن الله تعالى لما قال:{فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وأَدَاءٌ إلَيْهِ بِإحْسَانٍ} لم يجز أن يقال: عفا إن صولح على مالٍ، لأن العفو تركٌ بلا عوضٍ، فلم يجز إذا عفا عن القتل الذي هو أعظم الأمرين إلا أن يكون له مالٌ في مال القاتل أحب أو كره،