كوجوبه في النفس, لقول اللع تعالى: {ولَكُمْ فِي القِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة ١٧٩] ولقوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة ١٩٤] ولقوله تعالى: {وكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ والْعَيْنَ بِالْعَيْنِ والأَنفَ بِالأَنفِ والأُذُنَ بِالأُذُنِ والسِّنَّ بِالسِّنِّ والْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة ٤٥] فجمعت هذه الآية عموم القصاص فيما استحق من الوجوه الثلاث, وهي القصاص في النفس والقصاص في الأطراف, والقصاص في الجروح, ولا قصاص فيما عداهما, وهي ضربان:
أحدهما: ما أوجب الأرش دون القصاص إما بمقدر كالجائفة أو بغير مقدر كالحارضة.
والثاني: ما لا يوجب أرشًا ولا قصاصًا كالضرب الذي لا أثر له في الجسد, فصارت الجنايات على خمسة أقسام, يجب القصاص منها في ثلاثة, والأرش في أربع, والعفو عنه في الخامس, وفيه يستحق التعزيز أدبًا. فإذا ثبتت هذه الجملة فالمكافأة في القصاص على ضربين:
أحدهما: في الأحكام.
والثاني: في الأوصاف.
فأما المكافأة في الأحكام فهو اعتبار التكافؤ في الحرية والإسلام, فهذا معتبر في جميع ما يجب فيه القود من الأقسام في النفوس والأطراف والجراح, فإذا منع الرق والكفر من القصاص في النفس منع منه في الأطراف والجراح, فلا يؤخذ حر ولا مسلم بطرف عبد ولا كافر وكذلك في الجراح.
وأما المكافأة في الأوصاف فتقسم ثلاثة أقسام:
أحدهما: في الصحة والمرض.
والثاني: في الزيادة والنقصان.
والثالث: في الصغر والكبر, فلا يعتبر واحد من هذه الأقسام الثلاثة في القصاص من النفس, فيقتص من الصحيح بالمريض, ومن المريض بالصحيح, ومن الكامل بالأقطع, ومن الأقطع بالكامل, ومن السليم بالأشل, ومن الأشل بالسليم, ومن الأعمى بالبصير ومن البصير بالأعمى, ومن الكبير بالصغير, والعاقل بالمجنون , ولا يقتص من الصغير والمجنون بالكبير, ولا بالعاقل, لارتفاع القلم عنهما بالصغر والجنون.
وأما الأطراف فيعتبر في القصاص منها السلامة من النقصان والزيادة, ولا يعتبر فيها الصحة والمرض, ولا الصغر والكبر, فلا يجوز أن تؤخذ اليد الكاملة الأصابع باليد الناقصة الأصابع, ولا اليد الزائدة الأصابع باليد الكاملة حتى يقع التساوي في الزيادة والنقصان وتؤخذ اليد الكبيرة باليد الصغيرة, واليد الصغيرة باليد الكبيرة, واليد الصحيحة باليد المريضة إذا سلمت من شلل, ويأخذ اليد المريضة إذا سلمت من شلل باليد الصحيحة, ولا تؤخذ سليمة بشلاء, وتؤخذ الشلاء بالسليمة إذا رضي مستحق القصاص بها.