قد ذكرنا أن موضع السجود في سورة {حم} السجدة عند قوله: {وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ}[فصلت: ٣٨]. وقال ابن عباس ومعيد بن المسيب والنخعي والثوري وأبو حنيفة وأحمد، وقال أهل المدينة [١٣٩ أ / ٢] والحسن ومالك موضعه عند قوله: {إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}[فصلت: ٣٧]. وروي هذا عن ابن عمر رضي الله عنه.
واحتجوا بأن الأمر بالسجود في هذه الآية، فكان الجود فيها، وهذا غلط لما روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه رأى رجلاً سجد هناك، فقال: هلا نزلت، إلى قوله:{وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ}[فصلت: ٣٨]، ولأن تمام الكلام عند الآية الثانية، فكان السجود عقيبها كما قلنا في سورة النحل، فإن السجود عند قوله:{وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (النحل: ٥٠]، وذكر السجود ههنا أيضاً في الآية التي قبلها. وقال ابن سريج: ما قلناه أصح لأنه إن كان موضع السجود فقد أتى به في موضعه، وان كان قبله فقد أخره عنه، فلا يضره وإذا قدمه لم يجز.
وقال بعض أصحابنا: مثلما قال أهل المدينة، وقال في سورة النحل: موضع السجود عند قوله: {وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ}[النحل: ٤٩]، وقالوا أيضاً في سورة النمل عنه قوله:{مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ}[النمل: ٧٤].
فَرْعٌ آخرُ
إذا قلنا: منصوص الشافعي رضي الله عنه في سجدة {ص} فقرأ الآية التي فيها السجدة، فإن كان في غير الصلاة، سجد شكراً لله تعالى على ما أنعم به داود السلام بأن غفر له، وان كان في الصلاةء لا يجوز أن يسجد فيها، فإن خالف وسجد نظر، فإن كان ناسياً أو جاهلاً بأنها سجدة. شكر لا تبطل صلاته، وإن كان عالماً بأنها سجدة شكر، هل تبطل صلاته؟ وجهان:
أحدهما: تبطل لأنها منجاة شكر كما لو بشر في الصلاة فسجد شكراً، وهو ظاهر المذهب.
والثاني: لا تبطل، لأنها سجدة تتعلق بالتلاوةء وهذا اختيار صاحب "الافصاح"، وبه أقول فعل هذا في الصلاة أربع سجدات: الراتبة، والسهو، والتلاوة، والشكر، فعلى هذا القول ليس له أن يجد فيها شكراً، وان كانت سجدة التلاوة آكد، وهو قول بعض أصحابنا.
فَرْعٌ آخرُ
قال أصحابنا: لو كان الإمام حنفياً فقرأ سورة {ص} وسجد فيها لا يتابعه، بل ينتظر. قائماً [١٣٩ ب / ٢] حتى يفرغ. وهذا صحيح، لأنه لا تبطل صلاته لاعتقاده، وعندي في أحد الوجهين يجوز أن يتابعه فيها بنية سجود الشكر. وقيل: إذا انتظره على ما ذكرنا، هل يسجد للسهو؟ وجهان: