عاقلين))، والعدل لا يكون إلا عاقلا فمنه ثلاثة أجوبة:
أحدهما: أنه قاله على طريق التأكيد، كمال قال الله عز وجل:{فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ}[النحل:٢٦] و {يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ}[آل عمران: ١٦٧].
والثاني: أنه أراد بالعقل ثبات النفس وسكون الجأش عند مشاهدة القصاص، وليس كل عدل يمكن جأشه عند مشاهدة القتل والقطع قاله أبو القاسم الصميري.
والثالث: أنه أراد بالعقل الفطنة والتيقظ ليفطن بما يجري من استيفائه من حق أو تعد، إذ ليس كل عدل يفطن لذلك قاله أبو حامد الإسفراييني، فإن غاب الشاهدان عن استيفاء القصاص لم يؤثر فيه وكان المسيء هو الحاكم بالقصاص دون المستوفي له، فأما صفة ما يستوفي به القصاص من الحديد فقد ذكرنا أنه ينبغي لمن حكم باستيفائه من سلطان أو قاض أن يتفقده حتى لا يكون مثلوما كالا ولا مسموما، لأن الكال يعذب المقتص منه والمسموم يهري لحمه، فإن اقتص بكال مثلوم لم يعزر، وإن اقتص بمسموم فإن كان القصاص في النفس فقد استوفي ولا غرم في السم لكن يعزر المقتص أدبا، كما لو قطع المقتص منه بعد قتله قطعا، وإن كان في طرف فأفضى السم إلى تلفه وصار التلف حادثا عن القصاص الذي لا يضمن وعن السم الذي يضمن فيلزم نصف الدية لحدوث التلف عن مباح ومحظور، كمن جرح مرتداً ثم أسلم وجرحه بعد إسلامه أخرى ثم مات ضمن نصف ديته لتلفه عن سببين أحدهما مباح والآخر محظور.
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه:((ويرزق من يقيم الحدود ويأخذ القصاص من سهم النبي صلى الله عليه وسلم من الخمس كما يرزق الحكام فإن لم يفعل فعلى المقتص منه الأجر كما عليه أجر الكيال والوزان فيما يلزمه)).
قال في الحاوي: ينبغي للإمام أن يندب لاستيفاء الحدود والقصاص رجلا أمينا من بيت المال إن لم يجد متطوعا، لأنه من المصالح العامة، ويكون من مال المصالح وهو خمس الخمس سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفيء والغنيمة المعد بعده للمصالح العامة، فإذا استوفي الجلاد القصاص أعطى أجرته منه، فإن أعوز بيت المال أو كان فيه ولزم صرفه فيما هو أولى منه من سد الثغور وفي أرزاق الجيوش منه كانت على المقتص منه أجرته دون المقتص له.
وقال أبو حنيفة: أجرته على المقتص له دون المقتص منه استدلالا بأن حقه متعين، وإنما يحتاج إلى الفصل بين حقه من حق غيره فكانت أجرة الفاضل على مستوفيه كمشتري الثمرة يلزمه أجرة لقاطها وجذاذها، وكمشتري الصبرة يلزمه أجرة حمالها ونقالها، ولأنه