للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدية، وإن أجرى عليه حكم الإبراء، أو الإسقاط كان عفوا عما وجب بابتداء الجناية دون ما حدث بعدها بالسراية فيلزم العاقلة ما حدث بالسراية دون ما لزم بابتداء الجناية.

والثاني: أن يتوجه العفو إلى العاقلة فيقول: قد عفوت عن عاقلتك في جنايتك وما يحدث منها فيصح العفو عنهم، سواء قيل بوجوبها عليهم ابتداء أو تحملا، لأنهم محل استقرارها، ولا مطالبة على الجاني بها لانتقالها عنه إلى من براء منها، لكن إن أجرى على العفو حكم الوصية كان عفوا عن جميع الدية، وإن أجرى عليه حكم الإبراء كان عفوا عما وجب بابتداء الجناية، وتؤخذ العاقلة بما حدث بالسراية.

والثالث: أن يكون العفو مطلقا فيقول: قد عفوت عنها وعما يحدث منها، فيصح العفو على الأحوال كلها، لتوجه العفو المطلق إلى محل الحق، لكن إن أجرى عليه حكم الوصية صح في جميع الدية، وإن أجرى عليه حكم الإبراء صح فيما وجب بالجناية وبطل فيما حدث بالسراية.

مسألة:

قال الشافعي رحمه الله: ((ولو كان القاتل خطأ ذميا لا يجري على عاتقه الحكم أو مسلما أقر بجناية خطأ فالدية في أموالهما والعفو باطل لأنه وصية للقاتل ولو كان لهما عاقلة لم يكن عفوا عن العاقلة إلا أن يريد بقوله: عفوت عنه أرش الجناية أو ما يلزم من أرش الجناية قد عفوت ذلك عن عاقلته فيجوز ذلك لها، قال المزني رحمه الله: قد أثبت أنها وصية وأنها باطلة لقاتل)).

قال في الحاوي: وهذه المسألة الثالثة من مسائل حجاجه، وهي مصورة في الذمي إذا لم تكن له عاقلة، وفي المسلم إذا أقر بالجناية ولم يقم بها بينة، وهما يستويان في حكم جناية الخطأ وإن افترقا فيها من وجه آخر، واستواؤهما فيها أن الذمي إذا كانت له عاقلة لا يجري عليهم حكمنا كانت جناية خطئه في ماله، فلو جرى عليهم حكمنا كانت جنايته على عاقلته، والمسلم إذا أقر بجناية الخطأ كالذمي إذا لم يجز على عاقلته حكم في وجوب الدية عليهما في أموالهما، فإذا كان كذلك فهما قاتلان، فإن ردت الوصية للقاتل، وجبت الدية عليهما سواء خرج العفو مخرج الوصية أو مخرج الإبراء، وإن أجيزت الوصية للقاتل صح العفو عن جميع الدية، وإن أجري عليه حكم الوصية، وإن أجري على العفو حكم الإبراء صح فيما وجب بالجناية وبطل فيما حدث بالسراية، وأما ما يفترق المسلم والذمي فيه من جناية الخطأ فهو أن المسلم إذا لم تكن له عاقلة كانت جنايته في ماله لأن المسلمين أولياء المسلم دون الكافر فعقلوا عن المسلم ولم يعقلوا عن الكافر، ولئن صار مالهما بالموت إلى بيت المال إذا لم يكن لهما وارث فحكمه مختلف، لأن مال المسلم ينتقل إلى بيت المال ميراثا وينتقل مال الذمي إليه فيئا، وفيما أوردناه من

<<  <  ج: ص:  >  >>