والثاني: وهو قول أبي علي بن أبي هريرة أن القصاص يجري مجرى موته بالمرض، فعلى هذا لا يرجع بثمنه لتلفه في يده ولا بأرش عينه لعلمه بجنايته.
فصل:
وإن اشتراه المجني عليه أو وليه بأرش جنايته فهي مسألة الكتاب فيكون ذلك عفواً عن القصاص بمجرد الطلب، سواء تم البيع بينهما أم لا؛ لأنه عدول إلى الأرش، والعدول إليه عفو، ثم ينظر في أرش الجناية فإن جهلها المتبايعان كان البيع باطلاً للجهل يقدر الثمن، وإن علماها فعلى ضربين:
أحدهما: أن تكون مقدرة ورقاً أو ذهباً، فالبيع جائز.
والثاني: أن تكون مقدرة إبلاً كالجناية على الإصبع مقدرة بعشر من الإبل أثلاثاً في العمد أخماساً في الخطأ، فإذا ابتاعه بها فهي معلومة الجنس والسن مجهولة النوع والصفة، وفي جواز جعلها صداقاً قولان:
أحدهما: يجوز للعلم بجنسها وسنها وثبوتها في الذمة واستحقاق المطالبة بها.
والثاني: لا يجوز للجهل بنوعها وحبسها، وأن حكم العقود أضيق وأغلظ. فأما البيع فقد اختلف أصحابنا فيه، فكان أبو علي بن أبي هريرة يخرجه على قولين كالصداق، لأنهما عقداً معارضة، وذهب أبو إسحاق المروزي إلى بطلانه قولاً واحداً وإن كان الصداق على قولين، للفرق بينهما بأتساع حكم الصداق لثبوته بعقد وغير عقد وضيق حكم البيع الذي لا يستحق الثمن فيه إلا بعقد.
فإن قبل ببطلان البيع كان أرش الجناية في رقبة العبد يباع فيها إلا أن يفديه السيد منها.
فإن قبل بجواز البيع برئ العبد وبائعه من أرش جنايته، فإن وجد به المجني عليه أو وليه عيباً سوى الجناية كان له أن يرده به ويعود أرش الجناية في رقبته فيباع فيها أو يفديه السيد منها.
فإن قيل: فما الفائدة في رده وليس للمجني عليه غير ثمنه معيباً؟ قيل: لجواز أن يرغب في ابتياعه من يرضي بعيبه فيبرأ المجني عليه من ضمان دركه. وبالله التوفيق.