قال في الحاوي: قصد الشافعي بهذا بيان عمد الخطأ بأن يكون عامداً في فعله خاطئاً في قصده وجملته أن آلة القتل على ضربين محدد، ومثقل فأما المحدد من الحديد إذا ضرب بحده أو برمته، فهو عمد محض، لأنه لما كان لا يضرب بحده إلا لقصد القتل صار عامداً في فعله وقصده، فصار عمداً محضاً، وأما المثقل فينقسم ثلاثة أقسام:
أحدها: ما يقتل ولا يسلم منه مضروبه كالحجر العظيم والخشبة الكبيرة إذا ضربه بهما، فهذا كالمحدود في أنه عمد محض؛ لأنه لا يقصد به الضرب إلا للقتل، فصار عامداً في الفعل والقصد.
والقسم الثاني: ما كان خفيفاً لا يقتل مثله من ضرب به، كالنواة من الحجارة، والقلم من الخشب، فهذا هدر لا يضمن.
والقسم الثالث: ما كان متوسطاً من الحجر والخشب يجوز أن يقتل ويجوز أن لا يقتل، فإذا فهو عمد الخطأ؛ لأنه عامد في فعله خاطئ في قصده.
وأما إن ألقاه في بحر بقرب البر وهو يحسن العوم فهو على ثلاثة أقسام:
أحدها: أن يكون مما لا يسلم من مثله لعظم موجه وقلة خلاص من يلقي في مثله، فهذا قاتل عمد يجب عليه القود له مدة في فعله وقصده.
والقسم الثاني: أن يكون مما لا يموت فيه من يحسن العوم فلا شيء فيه.
والقسم الثالث: ما جاز أن يموت منه وجاز أن سلم، فهذا من عمد الخطأ، لعمده في فعله وخطئه في قصده.
وأما شجاج الرأس إذا كان بالمثقل فهو على ضربين:
أحدهما: أن يكون مثله يشج في الأغلب، فإذا ضربه به فأوضحه كانت موضحة عمد يجب فيها القود؛ لأنه عامد في فعله وقصده.
والثاني: أن يكون مثله يجوز أن يشج ويجوز أن لا يشج، فإذا أوضحه فهو موضحة عمد الخطأ فيها الدية دون القود.
فأما الضرب الثالث الذي قسمناه في النفس، وهو أن لا يقتل مثله في الأغلب فيقترن به الموت، فيستحيل الشجاج أن يكون مالا يشج مثله فيقترن به الشجاج، لأن الموت قد لا يكون بالطبع وبالأسباب الخفية من أمراض وأعراض، فجاز أن يقترن بالضرب، وإن لم يحدث عنه، والشجاج لا تحدث بالطبع ولا بالأسباب الخافية، فلم يكن حدوثه إلا من الضرب، وقد يكون الحجر عمداً محضاً في الشجاج؛ لأن مثله يوضح الرأس لا محالة، ويكون ذلك الحجر عمداً الخطأ في النفس، فإن كان في النفس؛ لأن مثله يجوز أن يقتل ويجوز أن لا يقتل فلا يجب به القود في النفس، وإن كان في شجاج الموضحة وجب به القود فيصير الفرق بين النفس وما دونها من وجهين:
أحدهما: أنه قد يكون الفعل في النفس هدراً ولا يكون الشجاج هدراً.
والثاني: أنه قد يكون المثقل في النفس عمد الخطأ وفي الشجاج عمداً محضاً، ثم