وروي: "كانت الركعة والسجدتان نافلة". وروى عطاء بن يسار أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: "إذا شك أحدكم في صلاته، فلم يدر كم صلى ثلاثاً أم أربعاً، فليصل ركعة ويسجد سجدتين، وهو جالس قبل التسليم، فإن كانت الركعة التي صلى خامسة شفعها بهاتين، وإن كانت رابعة، فالسجدتان ترغيم الشيطان"، وأراد أن الشيطان يأتي أحدكم، وهو في الصلاة، فيقول له: اذكر كذا، اذكر كذا لما كان لا يذكره حتى يشك في صلاته، فلا يدري كما صلى، وقوله: شفعها بهاتين أراد أن سجود السهو إنما شرع جبراناً للصلاة من النقص والزيادة فيها، فإن نقص منها في الحقيقة فتشفعها السجدتان، أي: يصيرها أربعاً في الحكم لا أنها تصيرها ستاً في الحكم كما توهمه أبو حنيفة، وأما خبرهم أراد بالتحري البناء على اليقين على ما فسر في خبرنا وحقيقة التحري هو طلب أحرى الأمرين، وأولاهما بالصواب، وهو فيما قلنا لما فيه من إكمال الصلاة، والاحتياط لها والتحري يرد بمعنى اليقين كما قال تعالى:{فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً}[الجن: ١٤]، وأما خبر أبي هريرة فخبرنا أولى، لأنه مفسر لما أجمله في هذا الخبر.
مسألة: قال: "فإذا فرغ من صلاته سجد سجدتي السهو قبل السلام".
وهذا كما قال: إذا فرغ من صلاته بعد التشهد سجد سجدتي السهو قبل السلام سواء كان السهو نقصاناً أو زيادة أوهما أو زيادة متوهمة، فالنقصان ترك الجلوس للتشهد الأول وترك القنوت [١٤٥ ب / ٢]، ونحو ذلك. والزيادة أن يجلس في موضع قيامه ونحو ذلك، والزيادة المتوهمة أن يشك في عدد الركعات نص عليه في كتبه القديمة والجديدة. وبه قال أبو هريرة وأبو سعيد الخدري وسعيد بن المسيب والزهري وربيعة والأوزاعي والليث.
وقال في اختلافه ومالك: ما يدل على تخريج الأخبار الواردة فيه على الزيادة والنقصان، فيسجد للزيادة بعد السلام للنقصان قبل السلام. وذلك أن عبد الله بن مالك ابن بحينة. روى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سجد قبل السلام، وقال: "السجود في السهو قبل السلام".
وروى أبو هريرة رضي الله عنه أنه "سجد بعد السلام"، فيحمل هذا على الزيادة، وذلك على النقصان، وبه قال مالك والمزني واسحق وأبو ثور.
وقال أبو حنيفة والثوري: سجود السهو بعد السلام بكل حال. وروي ذلك عن علي وابن مسعود وعمار وسعد بن أبي وقاص والنخعي وابن أبي ليلى رضي الله عنهم.