واستدل الزهري بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الثلث كثير" فصار مضافًا إلى ما زاد عليه في تحمل العاقلة له.
واستدل أو حنيفة على تحمل نصف العشر بأمرين:
أحدهما: أن تحمل العاقلة لما عدل فيه عن القياس إلى الشرع وجب أن يختص بأقل ما ورد به الشرع، وأقله أرش الموضحة، والغرة في الجنين، وهي مقدرة بمثل أرش الموضحة خمس من الإبل أو خمسين دينار أو ستمائة درهم وذلك نصف عشر الدية فكان هذا أصلًا في أقل ما تحمله العاقلة وكان ما دونه محمولًا على موجب القياس.
والثاني: أن ما دون الموضحة لما لم يجب فيه قصاص ولا أرش مقدر جرى مجرى الأموال فوجب أن لا تتحمله العاقلة كما لا تتحمل الأموال.
والدليل على جميعهم في تحمل الأكثر والأقل بينه النص وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حمل العاقلة جميع الدية وهي أثقل فيه به على تحمل ما هو أقل، ولو نص على الأقل لما نبه على حكم الأثقل، وفي إلزام الجمع بين النصين خروج عن موضوع الشرع.
ثم نحرر هذا الأصل قياسًا فنقول: إنه أرش خطأ على نفس فجاز أن يتحمله العاقلة قياسًا على دية النفس مع قتادة، وعلى ثلث الدية مع مالك، وعلى نصف عشرها مع أبي حنيفة، ولأنه لما تحمل الجاني قليل الدية وكثيرها في العمد وجب أن تحمل العاقلة قليلها وكثيرها في الخطأ، ويتحرر منه قياسان:
أحدهما: أن من تحمل كثير الدية تحمل قليلها كالجاني.
والثاني: كل قدر تحمله الجاني جاز أن يتحمله العاقلة كالكثير، ولأن الجماعة لو اشتركوا في جناية قدرها الثلث عند مالك ونصف العشر عند أبي حنيفة تحملت عاقلة كل واحد منهم ما لزمه لجنايته، وهو أقل من ثلث الدية ومن نصف عشرها، فكذلك إذا انفرد بالتزام هذا القدر، ويتحرر منه قياسان:
أحدهما: أن من تحمل كثير الدية تحمل قليلها كالجاني.
والثاني: كل قدر يتحمله الجاني جاز أن تتحمله العاقلة كالكثير، لأن الجماعة لو اشتركوا في جناية قدرها الثلث عند مالك ونصف العشر عند أبي حنيفة تحملت عاقلة كل واحد منهم ما لزمه لجنايته وهو أقل من ثلث الدية ومن نصف عشرها، فكذلك إذا انفرد بالتزام هذا القدر ويتحرر منه قياسان:
أحدهما: أن ما تحملته العاقلة في الاشتراك جاز أن يتحمله في الانفراد كالكثير.
والثاني: أن ما تحملته العاقلة من الكثير جاز أن تتحمله من القليل كالاشتراك، وما قاله قتادة من تغليظ حرمة النفس فحرمتها لأجل حرمة الإنسان، وحرمة الإنسان عامة في نفسه وأطرافه، فوجب أن يستويا في حكم الغرم ومحله، وما قاله مالك من أن الثلث قليل لا يجحف فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الثلث كثير" فصار ضد قوله: ثم قد يجحف الثلث وأقل منه بالجاني إذا انفرد بغرمه لاسيما إذا كان مقلًا، وما قاله أبو حنيفة من ورود الشرع فيه