الابتداء، ثم رجعوا إلى رأيه ووافقوه عليه في الانتهاء حين وضح لهم الصواب وزالت عنهم الشبهة.
ونحن نذكر شرحه من بعد مفصلًا، فكان انعقاد الإجماع معه بعد تقدم المخالفة له أوكد. وأما علي بن أبي طالب رضي الله عنه فإنه شهد بنفسه قتال من بغى عليه، فأول من قاتل منهم أهل الجمل بالبصرة مع عائشة.
وثنى بقتال أهل الشام بصفين مع معاوية. وثلث بقتال أهل النهروان من الخوارج فسار في قتالهم سيرة أبي بكر في قتال مانعي الزكاة.
فصل:
فإذا ثبت بما ذكرنا من الكتاب والسنة والإجماع إباحة قتالهم على بغيهم، فقتالهم معتبر بثلاثة شروط متفق عليها، ورابع مختلف فيه.
أحدهما: أن يكونوا في منعة، بكثرة عددهم، لا يمكن تفريق جمعهم إلا بقتالهم، فإن كانوا آحادًا لا يمتنعون استوفت منهم الحقوق ولم يقاتلوا.
قال الشافعي: قتل عبد الرحمن بن ملجم عليًا رضوان الله عليه متأولًا، فأقيد به. يعني: أنه لما انفرد ولم يمتنع بعدد لم يؤثر تأويله في أخذ القود منه.
والثاني: أن يعتزلوا عن دار أهل العدل بدار ينحازون إليها ويتميزون بها كأهل الجمل وصفين.
فإن كانوا على اختلاطهم بأهل العدل، ولم ينفردوا عنهم: لم يقاتلوا.
روي أن عليًا رضي الله عنه كان يخطب، فسمع رجلًا يقول: لا حكم إلا لله تعريضًا بالرد عليه فيما كان من تحكيمه فقال علي: كلمة حق أريد بها باطل، لكم علينا ثلاث: لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله، ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم معنا، ولا نبدؤكم بقتال.
والثالث: أن يخالفوه بتأويل محتمل كالذي تأوله أهل الجمل وصفين من المطالبة بدم عثمان رضي الله عنه.
فإذا باينوا من غير تأويل، أجرى عليهم حكم الحرابة وقطاع الطريق.
وأما الرابع المختلف فيه: فهو نصب إمام لهم يجتمعون على طاعته، ويتفادون لأمره، ففيه وجهان:
أحدهما: هو قول طائفة: إنه شرط يستحق به قتالهم، ليستقر به تميزهم ومباينتهم.
والثاني: وهو قول الأكثرين من أصحاب الشافعي: أنه ليس بشرط في قتالهم لأن عليًا عليه السلام قاتل أهل الجمل ولم يكن لهم إمام، وقاتل أهل صفين قبل أن ينصبوا إمامًا لهم.