فأمر بالإصلاح بينهم، ولم يذكر تبعة في دم ولا مال، فدل على سقوطه عنهم ولما روي أن أبا بكر رضوان الله عليه قاله لم تاب من أهل الردة: تدون قتلانا ولا ندي قتلاكم، فقال له عمر: لا نأخذ لقتلانا دية، لأنهم عملوا لله وأجورهم على الله، فسكت أبو بكر سكوت راجع إلى قوله ولما روي أن طليحة قتل ثابت بن أقرم وعكاشة بن محصن، وهرب إلى الشام، ثم أسلم، وقدم على أبي بكر، فقبل توبته ولم يقتص منه وهكذا فعل علي رضي الله عنه يوم الجمل لم يأخذ أحدًا بما استهلكه من دم ولا مال مع معرفة القاتل والمقتول والتالف والمتلوف وهكذا حكي ابن المسيب والزهري فدل على الإجماع في سقوط الضمان ولأنهما طائفتان ممتنعان اقتتلتا تدينًا، فلم يضمن بعضهم بعضًا كالمسلمين.
ولأن تضمين أهل البغي ما أتلفوه منفر لهم ومانع من رجوعهم، فوجب أن يكون مطرحًا كما أطرح في أهل الحرب.
فصل:
فإذا تقرر توجيه القولين، فإن قيل بالأول: أن الضمان واجب، ضمنت الأموال بالغرم، فأما النفوس فإن كانت خطأ أو عمد الخطأ ضمنت عائلة القاتل الدية دون القاتل وإن كانت عمدًا محضًا ففي ضمانها بالقود وجهان:
أحدهما: وهو قول أبي إسحاق المروزي: تضمن بالقود، لأنها تضمن في الحرب كما تضمن في غيره.
والثاني: أنها تضمن بالدية دون القود، لأنها حال شبهة تدرأ بها الحدود، وتكون الدية في مال القاتل.
وإن قيل بالقول الثاني: في سقوط الضمان، سقط ضمان ما تلف من الأموال ووجب رد ما بقي منها، فأما إن أتلف عليهم بغير قتال، نظر حال متلفه. فإن قصد بما أتلفه منها إضعافهم وهزيمتهم لم يضمنها. وإن قصد به التشفي والانتقام: ضمنها، وصارت كالمستهلك عليهم في غير القتال.
وأما النفوس: فمن قتل في القتال لم يضمن في عمد ولا خطأ بقود ولا دية، وفي ضمانه بالكفارة وجهان محتملان:
أحدهما: وهو الأصح: أنه غير مضمون بالكفارة، كما كان غير مضمون بقود ولا دية.
والثاني: أنه يضمن بالكفارة، لأنها من حقوق الله تعالى فتأكدت على حقوق الآدميين، وكما يضمن نفس المسلم في دار الحرب بالكفارة دون الدية.
ومن قتل منهم وهو معتزل عن صفوف الحرب: فإن كان ردءًا لهم وعونًا: سقط