للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المانع منها في عهد أبي بكر مرتدًا.

والفرق بينهما: أن المنع الأول كان قبل الإجماع على إبطال ما اشتبه عليهم من حكم الآية، فكان لتأويل الشبهة مساغًا، والمنع الحادث بعده، قد انعقد الإجماع على إبطال الشبهة فيه، فلم يكن للتأويل مساغ، فافترقا في حكم الردة لافتراقهما في حال الإجماع.

ومثاله: شارب الخمر في عصر الصحابة لما استحل شربها بشبهة تعلق بها في قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوا وَّآمَنُوا} [المائدة:٩٣] لم يكفر لاحتمال شبهته فلما أجمع الصحابة على بطلان هذا التأويل صار مستحلها كافرًا.

والثاني: أن يمنعوا منها غير مستحلين لمنعها، فيجوز قتالهم على أخذها منهم. وقال أبو حنيفة: لا يجوز قتالهم على منعها مع إقرارهم بوجوبها أمرين:

أحدهما: لتعلقها بأموالهم دون أبدانهم، فكان المال هو المطلوب دونهم.

والثاني: أن الله تعالى قد ائتمنهم على أدائها فكانت كالأموال الباطنة.

ودليلنا: قول أبي بكر للصحابة رضي الله عنهم في مانعي الزكاة: والله لو منعوني عناقًا أو عقالًا مما أعطوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه. فوافقوه عليه بعد مخالفتهم له، فدل على انعقاد الإجماع به.

ولأنهم لما قوتلوا لامتناعهم من حق الإمام في الطاعة، كان قتالهم في امتناعهم من حق الله تعالى في الزكاة أولى. ولأن العبادات نوعان: على أبدان، وفي أموال، فلما قوتلوا في عبادات الأبدان قوتلوا في عبادات الأموال.

وقولهم: إن المال هو المطلوب فصحيح لكن لما لم يوصل إليه إلا بقتالهم، صار قتالهم موصلًا إلى أخذ الحق منهم، وما أوصل إلى الحق كان حقًا وأما الأموال الباطنة ففيها جوابان:

أحدهما: أنه لا نظر للإمام فيها، فلم يحاربهم عليها، وخالفت الأموال الظاهرة.

والثاني: أنه لا يمتنع أن يقاتلوا على إخراجها إلى مستحقها، وإن لم يقاتلوا على دفعها إلى الإمام.

فصل:

فإذا ثبت جواز قتالهم على منعها، فإن قدر الإمام على أموالها وأخذ زكاتها منها بغير قتال نظر. فإن قدر عليها لرفع أيديهم عنها، مع القدرة على الدفع عنها لم يقاتلهم لأن هذا تمكين من الزكاة. وإن كان لعجزهم عن الدفع عنها، كان على قتالهم، حتى يظهروا الطاعة بأدائها طوعًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>