وجعلوا ما تلفظ به في السكر افتراء ما يتعلق به حد وتعزيز, وذلك من أحكام التكليف. ولو كان غير مكلف لكان كلامه لغوًا وافتراؤه مطرحًا, وإذا صح تكليفه صح إسلامه وردته. ولأن من صح عتقه وطلاقه, صحت ردته وإسلام كالصاحي, ولأن الردة والإسلام لفظ يتعلق به الفرقة فوجب ان يصح من السكران كالطلاق.
فأما الجواب عن استدلاله بأنه لا اعتقاد له: فهو أن يجري في أحكام التكليف مجرى من له اعتقاد وتمييز, ولذلك وقع طلاقه وظهاره, ولو عدم التميز ما وقعا كالمجنون. وهو الجواب عن القياس.
فصل:
وإذا ثبت أن السكران في الردة والإسلام كالصاحي, كما هو في العتق والطلاق كالصاحي فكذلك في جميع الأحكام فيما له, وما عليه وهو مذهب الشافعي وجمهور أصحابه. وذهب أبو علي بن أبي هريرة إلي أنه تجري عليه أحكام الصاحي فيما عليه من الحقوق تغليظًا, ولا تجري عليه أحكام الصاحي فيما له من الحقوق, لأنه يصير تخفيفًا, والسكران مغلظ عليه غير مخفف عنه. فعلى هذا تصلح منه الردة لأنها تغليظ, فأما الإسلام فإن كان بعد ردة لم يصح منه, لأنه تخفيف, وإن كان عن كفر يقر عليه كالذمي يصح منه؛ لأنه تغليظ. وهذا خطأ, لأن السكران سلبه حكم التميز وجب أن يعم كالمجنون, وإن لم يسلبه حكم التميز وجب أن يعم كالصاحي, ولا يصح أن يكون مميزًا في بعض الأحكام وغير مميز في بعضها لتناقضه في المعقول, وفساده على الأصول.
فصل:
فإذا تقرر ما وصفنا وارتد سكران, جرت عليه أحكام الردة من وجوب قتله وسقوط القود عن قاتله, وتحريم زوجاته, والحجر على أمواله, وإن مات كان ماله فيئًا غير موروث. فأما استتابته من ردته فقد أمر الشافهي بتأخيرها إلي حال صحوه, فاختلف أصحابنا في تأخيرها هل هو على الإيجاب أو الاستحباب. على وجهين بناء على اختلافهم هلى تجري عليه أحكام الصاحي فيما له كما تجري عليه أحكام الصاحي فيما عليه؟
أحد الوجهين: وهو قول أبي إسحاق المروزي والظاهر من مذهب الشافعي أن تأخيرها استحباب, فإن استتابه في حال سكره صحت توبته, وإن قتله قاتل أقيد به, وإن مات كان ماله لورثته.
والثاني: أن تأخيرها إلي صحوه واجب, لأنه ربما اعترضه في الردة شبهة يستوضحها بعد إفاقته, فإن استتابه في سكره لم تصح توبته, وكان على أحكام الردة في سقوط القود عن قاتله وانتقال ماله إلي بيت المال فيئًا دون ورثته.
فأما المزني فإنه جعل تأخير توبته دليلًا على إبطال طلاقه, وغفل أن ثبوت ردته دليلًا على صحة طلاقه.