الشافعي: وإن قال: عنيت بالقذف الأب الجاهلي حلف وعزر على الأذى وتفسير هذا أنه قال: إن جدتك الكافرة زنا بها نبطيٌ فأبوك ولد ذلك النبطي فهذا قذف لجدته فيكون القول قوله مع يمينه، فإذا حلف لم يحد وعزر على الأذى، فإن قيل: لم قال الشافعي رضي الله عنه: الأب الجاهلي وإنما يكون القذف للجدة؟.
قلنا: قد يسمى الجد أبًا كما يقال: أبوان ويراد به الأم والأب والجد والجدة وهذا لا يصح لأنها لا تسمى فيه هاء التأنيث والجواب الصحيح أنه أراد به إذا قال: عنيت بالمولود من النبطي أباك الجاهلي فيكون قذفًا للجدة على ما بيناه. ولو قال: أردت به قذف امرأة في الإسلام حمل على القربى كما لو قال: أمك زانية وله أمهات في الإسلام حمل على القربى. ولو قال: أردت قذف إحدى أمهاتك في الإسلام لا يحد لأن المقذوف لم يتعين، وإن كان وارث جميع أمهاته في الإسلام هو لا غيره، وكذلك لو قال: أحد أبويك زانٍ لا حد عليه لأنه لم يعين المقذوف ويعزر للأذى. [٤٢/ب] واعلم أن الشافعي رضي الله عنه أوجب الحد في أصل المسألة بنفي النسب دون القذف لأنه قال: حُلف المقذوف على أنه أراد نفيه ولم يعتبر قذف أمه ولا إحصانها وقد ينتفي عن أبيه بغير زنا، واختلف أصحابنا في هذا فمنهم من قال: أراد به إذا كان نفاه بقذف أمته وكانت ميتة وهو اختيار أبي حامد لأن الله تعالى أوجد حد القذف بالرمي بالزنا لا غير، ومنهم من قال: يجب بنفيه على ما ذكرنا وهو الصحيح واختاره القاضي الطبري، وذكر الطحاوي أن نفي النسب عند الشافعي يوجب الحد خلافًا لأبي حنيفة وبه قال مالك وابن أبي ليلى والليث وأحمد وإسحاق وأبو ثور ووجهه ما روى الأشعث بن قيس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا أؤتى برجلٍ يقول: إن كنانة ليس من قريش إلا جلدته" وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: لا حد إلا في اثنين قذف محصنة، أو نفي رجلٍ من أبيه.
فرع آخر
لو قال لعلوي: لست من عبد مناف، أو لست من علي ثم قال: ليس من صلبه بل بينه وبينه آباء فالقول قول المقذوف لأنه لا يراد بهذا اللفظ هذا المعنى غالبًا، فإن شكك حلف القاذف وبرئ وعزر.
فرع آخر
لو رماه رجل فقال: من رماني فأمه زانية فإن عرفه قبل أن قال ذلك كان قاذفًا لأنه وإن لم يعرف [٤٣/أ] من رماه وأراد جزاء الرامي في الجملة لا يكون قاذفًا، وإن عرف من بعد لأمه علق القذف بالصفة والشرط وفي القسم الأول عرف المقذوف بالرمي.