قطع اليد لتناول المال بها ولم يقطع الذكر في آلته لأن للسارق مثل يده إذا قطعت بخلاف الذكر فإنه واحد. وأيضًا فاليد تُرى بخلاف الذكر فلا يحصل به الزجر للغير وبقطع اليد يحصل الزجر للغير، وأيضًا في قطع الذكر إبطال النسل بخلاف قطع اليد، واعلم أنه قطعت يد السارق في الجاهلية وأول من حكم به الوليد بن المغيرة [٤٥/ب] فأمر الله تعالى به في الإسلام، وأول سارقٍ في الإسلام من الرجال الحياد بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، ومن النساء مرت بنت سفيان بن عبد الأسد من بني مخزوم.
واختلف أصحابنا في آية السرقة هل هي عموم خص أو مجمل؟ فسر على وجهين، وقال عبد الله ابن عمرو: سرقت امرأة حليًا فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع يدها اليمنى فقالت: يا رسول الله هل لي من توبة؟ فقال:"أنت اليوم من خطيئتك كيوم ولدتك أمك" فأنزل الله تعالى {فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ}[المائدة:٣٩] وفي قوله: {وَأَصْلَحَ} وجهان: أحدهما: معناه أصلح سريرته بترك العزم. والثاني: معناه أصلح بترك المعاودة. فإن قيل: فما معنى قوله صلى الله عليه وسلم "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن"؟ قلنا: تأويله لا يستحلها وهو مؤمن، وقيل: معناه لا يفعل فعل المؤمن لأن المؤمن يمتنع منها، وقيل: معناه أنه لا خلاف أنه يحد إذا زنا ويقطع إن سرق، ولو تحقق أنه يقام عليه لامتنع، وقيل: إنه قالها مبالغةً في الزجر عنها كما قال صلى الله عليه وسلم: "من قتل عبده قتلناه".
ثم اعلم أن العلماء اختلفوا في القدر الذي تقطع فيه اليد فقال داود وأهل الظاهر والخوارج: تقطع اليد [٤٦/أ] في الكثير والقليل. وحكي هذا عن الحسن البصري واختاره الشافعي واحتجوا بعموم الآية وبأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لعن الله السارق يسرق الحبل فتقطع يده ويسرق البيضة فتقطع يده" رواه أبو هريرة رضي الله عنه، وقال الحسن في الرواية المشهورة وابن الزبير: تقطع في نصف دينار، وقال سليمان بن يسار: لا تقطع الخمس إلا في خمس يريد خمسة دنانير وبه قال ابن أبي ليلى وابن شبرمة. وروي ذلك عن عمر رضي الله عنه في روايةٍ، وقال أبو حنيفة: تقطع في