استدل الشافعي رضي الله عنه بقطع عثمان رضي الله عنه يد السارق بالأترجة أنه تقطع اليد في الطعام الرطب كالعنب والتفاح والرطب والخضراوات [٤٨/أ] من القثاء والبطيخ والبقول والشواء والهريسة والفالوذج وبه قال مالك، وقال أبو حنيفة: لا قطع في شيء منها ولا فيما يتسارع إليه الفساد واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا قطع في الطعام" ولأنه غير محرزٍ بنفسه لأنه معرض للهلاك فأشبه إذا كان محرز بغيره. ودليلنا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن التمر المعلق فقال:"من أصاب منه من ذي حاجة غير متخذٍ خبتة فلا شيء عليه، ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثله والعقوبة ومن سرق شيئًا بعد أن يأويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع" رواه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه والخبتة: ما يحمله الرجل في ثوبه والجرين: البيدر وهو حرز الثمار كالمراح حرز النعم، وقد أباح لذي الحاجة فيحتمل أن يكون الاضطرار وماله فيه من حق العشر ومضاعفة الغرامة نوع من الردع والتنكيل وقد ذهب إليه جماعة من الفقهاء وعندنا أنه نسخ ذلك.
وروي أن رجلًا من مزينة قال: يا رسول الله كيف ترى في حريسة الجبل؟ قال:"لا قطع في شيء من الماشية إلا ما أواه المراح ولا شيء في شيء من التمر المعلق إلا ما أواه الجرين وفيما أخذ من الجرين فبلغ ثمن المجن ففيه القطع". [٤٨/ب] وروي عن ابن عمر رضي الله عنهم أنه سئل عن سارق الثمار فقال: القطع في الثمار فيما أحرز الجرين، والقطع في الماشية فيما آوى المراح، فإن قيل: روى أبو داود بإسناده عن محمد بن يحيي أن عبدًا سرق وديًا من حائط رجل فغرسه في حائط سيده فاستعدى صاحب الودي على العبد مروان بن الحكم فسجن مروان العبد وأراد قطع يده فانطلق سيد العبد إلى رافع بن خديج فسأله عن ذلك فأخبره أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا قطع في ثمرٍ ولا كثر" فمشى إلى مروان فحدثه بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر مروان بالعبد فأُرسل والودي: صغار النخل واحدها ودية، والمكثر جمار النخل. قلنا: معنى الثمر هنا ما كان معلقًا في النخل قبل أن يحذ ويحرز بدليل خبرنا ولأن حوائط المدينة ليست بحرز وممكن الدخول من جوانبها ومن سرق من غير حرز لا يقطع عندنا، وأما ما ذكره فلا يصح لأن الطعام محرز في الحال حرزًا تامًا والاعتبار بهذا كما لو سرق الديباج من وسط الماء يلزمه القطع، وإن كان يتسارع إليه الفساد. وأما