بطن أصابع صبي سرق، وقال أصحابنا: إن صح هذا يحتمل أنه ضرب على كفه تأديبًا فانشقت بطون أصابعه لرقتها، بدليل أنه روي عنه أنه أتى بصبي سرق فقال: أشبروه فكان دون خمسة أشبارٍ فلم يقطعه. وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بجارية قد سرقت فوجدها لم تحض فلم يقطعها، وعلى ما ذكرنا لا قطع على المجنون أيضًا لأنه غير مكلف كالصبي.
[٥٠/أ] وقد روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: أُتي عمر رضي الله عنه بمجنونةٍ قد زنت فاستشار فيها ناسًا فأمر بها عمر أن ترجم فمر بها على علي رضي الله عنه فقال: ما شأن هذه؟ قالوا: مجنونة بني فلانٍ زنت فأمر بها أن ترجم فقال: ارجعوا بها فقال: يا أمير المؤمنين أما علمت أن القلم رفع عن ثلاثةٍ عن المجنون حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يعقل؟ قال: بلى قال: فما بال هذه؟ قال: لا شيء فأرسلها قال: فأرسلها قال: فجعل يكبر قال أصحابنا: يحتمل أنها كانت تجن مرة وتفيق أخرى فرأى عمر أنه لا يسقط الحد عنها بالجنون الطارئ ورأى علي أنها أصابت في بقية جنونها ثم وافق اجتهاد عمر اجتهاده في ذلك فدرأ عنها الحد.
مسألة: قال: وجملة الحرز أن يُنظر [إلى] المسروق فإن كان الموضع الذي سرق منه ينسبه العامة إلا أنه حرزٌ قطع.
الفصل
اعلم أن القطع لا يجب إلا بشرطين أحدهما: النصاب على ما ذكرنا. والثاني: أن تكون السرقة من حرزٍ فإن سرق من غير حرزٍ لا يلزم القطع، وقال داود: لا يعتبر الحرز لظاهر الآية ودليلنا ما ذكرنا من الخبر، وروى جابر رضي الله عنه قال: أضاف رجلٌ رجلًا في مشربة له فوجد متاعًا له قد اختانه فأتى به أبو بكر رضي الله عنه فقال: خل عنه فليس بسارقٍ وإنما هي أمانة اختانها. [٥٠/ب] وإن كان جائزًا مهملًا لأهل الفساد غلطت إحرازه ويختلف باختلاف الليل والنهار فيكون في الليل أغلظ لاختصاصه بأهل العبث والفساد فلا يقتنع بإغلاق الأبواب وكثرة الإغلاق حتى يكون لها حارس يحرسها وهي بالنهار أخف لانتشار أهل الخير فيه ومراعاة بعضهم لبعض فلا يفتقر إلى حارس. ويتغير الحرز بتغير الأحوال لأن الزمان يتغير من صلاح إلى فساد، ومن فساد إلى صلاح، وقال أبو حنيفة: الحرز لا يختلف فما كان حرزًا للشيء كان حرزًا لجميع الأشياء حتى ما كان حرزًا للتبن كان حرزًا للجواهر وهذا غلط لما ذكرنا.