يشتد فيها النبيذ فلا يشعر بذلك صاحبها فيكون على غرور من شرابها والصحيح أنه صار منسوخًا بحديث بريدة الأسلمي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كنت نهيتكم عن الأوعية فاشربوا في كل وعاء ولا تشربوا مسكرًا، وقال مالك وأحمد وإسحاق: الخطر باق ولا يحل الانتباذ في هذه الأوعية، وروي ذلك عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم، فإن قيل: ما معنى ما روى جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن ينتبذ الزبيب والتمر معًا ونهى أن ينبذ البسر والرطب والتمر جميعًا؟ قلنا: قال بعض العلماء: يحرم الخليطان، وإن لم يكن مسكرًا لظاهر الحديث، وبه قال عطاء وطاوس ومالك وأحمد وإسحاق وعامة أهل الحديث، وقالوا: من شرب الخليطين قبل حدوث الشدة فيه فهو آثم من جهة واحدة، وإذا شرب بعد حدوث الشدة كان آثمًا من جهتين: أحدهما: شرب الخليطين [١١٣/ أ] والأخرى: شرب المسكر، وقال الليث بن سعد: إنما جاءت الكراهة أن ينبذا جميعًا لأن أحدهما يشد صاحبه وبه قال الثوري وأبو حنيفة وهو مذهب الشافعي رضي الله عنه، فإن قيل: ما معنى ما روى ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى عن الشرب في السقاء" وروى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى عن اختناث الأسقية ونهى عن الشرب من ثلمة القدم وأن ينفخ في الشراب" وروى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يشرب الرجل قائمًا، وروى ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "نهى أن يتنفس في الإناء أو ينفخ فيه"، قلنا: إنما كره الشرب من السقاء من أجل ما يخاف من أذى عساه يكون فيه ولا يراه الشارب حتى يدخل جوفه فاستحب له أن يشربه في إناء ظاهر يبصره، وروي أن إنسانًا شرب من في سقاء فانساب جان فدخل جوفه، وأما اختناث الأسقية هو أن يثني رؤوسها ويعطفها ثم يشرب منها وسمي المخنث مخنثًا لتكسره وتثنيته، وقيل: إن النهي في ذلك لأن الشراب غذا دام فيه تخنث وتغيرت رائحته، فإن قيل: روى أبو داود بإسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل [١١٣/ب] أخنث فم الإداوة ثم اشرب من فيها فكيف الجمع بين الخبرين؟
قلنا: يحتمل أن النفي جاء في السقاء الكبير دون الأداوة ويحتمل أنه أباحه للضرورة والحاجة إليه في الوقت والنهي للعادة، وقيل: أمر به لسعة فم السقاء لئلا ينصب عليه الماء وأما النهي عن الشرب من ثلمه القدم فلأنه إذا شرب منها سال على وجهه ولحيته