حقيقة الثياب والطهارة. هذا وقوله:{وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ}[المدثر: ٥]، أراد بالرجز النجاسة.
وقال ابن عباس وسعيا بن جبير رضي الله عنهم: أراد: لا تلبس ثيابك على الفار والمعاصي. فقول العرب لمن غدو دنى ثيابه، ولمن وفى بالعهد طاهر الثوب. وقيل: ثيابك فقصر حتى لا تنجر خيلاء وكبراً. وقال الحكم:"معناه: وعملك فأصلح". وقال الحسن:"وخلفك فحسن". وقيل: وقلبك فطهر. والصحيح الأول، فإن صلى وعليه نجاسة يلزمه إعادة الصلاة في الجملة.
وقال مالك رحمه الله:"لا يعيدها خارج الوقت، ويعيدها في الوقت"، وأراد استحباباً. وهذا يدل على أن إزالة النجاسة لا تجب عند الصلاة. وبه قال ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن جبير وابن أبي ليلى.
وقال ابن عباس:"ليس على الثوب جنابة"، أي: لا يجب الاجتناب عن الثوب النجس. وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه نحر جزوراً، فأصاب ثوبه من فرثه ودمه، فصلى ولم يغسلها.
وروي أن رجلاً "سأل سعيد بن جبير عن رجلٍ صلى في ثوبه نجاسة، فقال: اقرأ علي الآية التي فيها غسل الثوب من النجس". وبه قال ابن مجلز. وروى بعض أصحاب مالك عنه أن إزالة النجاسة واجبة إلا يسير الدم. والدليل على ما قلنا ما روى ابن عباس، وأبو هريرة، وأنى رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال:"تنزهوا من البول، فإن عامه عذاب القبر منه".
وروى ابن عباس انه - صلى الله عليه وسلم - مر بقبرين، فقال:"إنهما يعذبان"، وقد مضى هذا الخبر. وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:"تعاد الصلاة من قدر الدرهم من الدم"، فإذا تقرر هذا، فالكلام الآن في بيان النجاسة التي يعفى عنها، والتي لا يعفى عنها. وجملته أن النجاسة التي تجب إزالتها خمس: الغائط، والبول، والخمر، والدم والصديد. [١٦٨ أ / ١]
وقال داود:"الخمرة ظاهرة". ورواه الليث عن ربيعة مثله. واحتجوا بأنه كان عصيرا طاهراً، وهذا غلط لقوله تعالى:{إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ}[المائدة: ٩٠]، والرجس في اللغة: النجس، ولأنها مائع حرم على الإطلاق، فكان نجساً كالدم.
وحكي عن الحسن أنه ذهب إلى طهارتها، واحتج بأن الله تعالى أعدها لخلقه في الجنة، ولا يعد النجس لهم. وهذا خطأ لأنه لا يبعد أن تكون في الدنيا نجسة، ثم