وإن كان لتدين [١٨٠/أ] ظهر منه أسهم له وإن أشكل حاله لم يسهم له.
فرع آخر
لو غزا من ذوي النفاق من أضمره ولم يتظاهر بالضرر أسهم له ولم يكشف عن باطن معتقده وأسهم رسول الله صلي الله عليه وسلم لمن شهد غزواته من المنافقين.
مسألة: قال: وواسع للإمام أن يأذن للمشرك أن يغزو معه.
اعلم أنه جوز للإمام أن يستعين بالمشركين على قتال أهل الحرب بشرطين أحدهما: أن يكون بالمسلمين قلة وفي المشركين كثرة. والثاني: أن يكون المستعان به حسن الرأي ويؤمن شرهم، والدليل على هذا ما روي ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم استعان بيهود بني قينقاع بعد بدر ورضخ لهم وشهد صفوان حنينا بعد الفتح وصفوان بعد مشرك، وروي عن سعد بن مالك رضي الله عنه أنه غزا بقوم من اليهود ورضخ لهم، فإن قيل: روي أبو حميد الساعدي رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم خرج حتى إذا كان خلف ثنية الوداع فإذا كتيبة فقال: من هؤلاء؟ قالوا: بني قينقاع قال: وأسلموا؟ قالوا: لا قال لهم: فليرجعوا فإنا لا نستعين بالمشركين، وروي أن رجلا اتبع رسول الله صلي الله عليه وسلم من المشركين وكان مشهورا بحسن البلاء والشجاعة في الحرب فقال له رسول الله صلي الله عليه وسلم:((أتشهد أن لا إله إلا الله [١٨٠/ب] وأني رسول الله؟ فقال: لا فقال: انصرف فإنا لا نستعين بمشرك)) فمضي رسول الله صلي الله عليه وسلم فلما كان في بعض الطريق أدركه الرجل مرة أخري فقال له رسول الله صلي الله عليه وسلم: ((أتشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ قال: بلي فقال: امض)) قلنا: يحتمل أن تكون الاستعانة بالمشركين ممنوعة في ابتداء الأمر ثم صارت جائزة. وقد نص الشافعي فقال: والاستعانة متأخرة ولهذا قال الشافعي: غزا بيهود بني قينقاع بعد بدر لأنه أبي أن يستعين بمشرك يوم بدر ويحتمل أن يقال: كان ذلك على حسب اختلاف الأحوال فحيث علم رسول الله صلي الله عليه وسلم قلة المسلمين لم يستعن بالمشركين مخافة أن تتمايل الطائفتان من المشركين وحيث علم قوة المسلمين وأنهم يقاومون الطائفتين لو تمايلا استعان بالمشركين، وقيل: هذا إلى رأي الإمام، فإن رأي أن يستعين بهم فعل، وإن رأي ردهم ردوا، وعلى هذا اختلاف الرواية، وقيل: استعان بهم حين احتاج إليهم ورد حين استغني عنهم، وقيل: استعان بمن عرف منه حسن النية، وحكي عن مالك وأبي حنيفة أنهما قالا: لا يجوز للإمام أن يستعين بالمشركين لقوله تعالى: {وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ المُضِلِّينَ عَضُداً}[الكهف: ٥١][١٨١/أ] وهذا الاستدلال لا يصح لأنا اتخذناهم خدما وأعوانا لا عضدا.