ولا يمنع ذلك من استرقاق أمه، وسواء كان إسلامه في دار الحرب أو دار الإسلام، لخوف أو غير خوف، مالم يدخل تحت القدرة، وسواء كان ماله منقولًا أو غير منقول، كانت له عليه يد أو لم تكن.
وقال مالك: قد عصم دمه وصغار أولاده بإسلامه، وملك من أمواله ما عليه يده، ولم يملك منها ما ليس عليه يده، بناء على أصله في أن المشرك لا يصح ملكه، وما كانت عليه صار قاهراً له بإسلامه فملكه، وقال أبو حنيفة: قد ملك بإسلامه في يده ويد وكيله من منقول وغير منقول، ولا يملك ما عداه، ومنع إسلامه من استرقاق صغار أولاده، ولا يمنع من استرقاق حمله، لأنه تبع أمه، يعتق بعتقها. ودليلنا رواية عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلى الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها" فكان على عمومه.
وروى الشافعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصر بني قريظة فأسلم ابنا شعبة اليهوديان، فأحرز لهما إسلامهما أموالهما وأولادهما، ومعلوم أنه قد زالت أيديهما عنه بخروجهما، فدل على استواء الحكم في الأمرين، ولأنه مال من قد أسلم قبل الأسر، فوجب أن لا يغنم، كما لو كانت يده عليه، ولأن من لم يغنم ماله إذا كانت يده عليه لم يغنم وإن لم تكن يده عليه كالمسلم.
والدليل على أن الحمل لا يسترق: هو أنه قد ثبت إسلامه قبل الأسر فلم يجز استرقاقه كالمولود، ولأن كل من لم يجز استرقاقه لم يجز استرقاقه حملًا كالمسلم.
وأما الجواب عن قول مالك: إن المشرك لا يصح أن يملك مالاً ولا نكاحاً، فهو أنه مجرد مذهب يدفعه النص قال الله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (١) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} فأضاف ماله إليه إضافة ملك، ثم قال:{وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} فأضاف ماله إليه إضافة ملك، ثم قال:{وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ}. فأضاف امرأته إليه إضافة عقد، فدل على أن المشرك لا يمنع من ملك المال والنكاح.
وأما الجواب عن قول أبي حنيفة: إن الحمل كالأعضاء التابعة، لأن العتق يسري إليه فهو وإن كان تبعًا في حال فقد تفرد بحكمه في حال، لأن عتقه لا يتعدى عنه، فتعارض الأمران في استدلاله، وسلم ما دللنا به.