للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله صلى الله عليه وسلم بمر الظهران، فانتهت القوارع، فصار ما بعدها غير قارعة، والمخالف يجعل ما بعد بحلوله أعظم القوارع، وفي هذا إبطال لقوله، وفيها معجزة وهو الإخبار بالشيء قبل كونه؛ لأن سورة الرعد مكية.

ويدل عليه نقل السيرة في الدخول إليها واتفاق الرواة عليها، وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تأهب للمسير إليها أخفى أمره وقال: اللهم خذ على أبصارهم حتى لا يروني إلا بغتة" وسار محثًا حتى نزل بمر الظهران، وهي على سبعة أميال من مكة وكان العباس بن عبد المطلب قد لقيه قبل ذلك بالسقيا، فسار معه وأمر كل رجل من أصحابه، أن يوقد نارًا، فأوقدت عشرة آلاف نار أضاءت بها بيوت مكة، وفعل ذلك إرهابًا لهم وإيثارًا للبقيا عليهم، لينقادوا إلى الصلح والطاعة، ولو أراد اصطلامهم لفاجأهم بالدخول، ولكنه أنذر وحذر فلما خفي عليهم من نزل بهم خرج أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء يتحسسون الأخبار، وقال العباس وأشياخ قريش: والله لئن دخلها رسول الله صلى الله عليه وسلم عنوة إنه لهلاك قريش آخر الدهر، فركب بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم الشهباء وتوجه إلى مكة؛ ليعلم قريشًا حتى يستأمنوه فينما هو بين الأراك ليلاً، إذا سمع كلام أبي سفيان، فعرف صوته، فتعارفا واستخبره عن الحال، فأخبره بنزول رسول الله صلى الله عليه وسلم في عشرة آلاف لا طاقة لهم بها فاستشاره، فقال تأتيه في جواري فتسلم، وتستأمنه لنفسك وقومك، وأردفه على عجز البغلة، وعاد مسرعاً به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أبا سفيان رجل يحب الفخر، فقال عليه السلام: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن" فكان عقد الأمان متعلقاً بهذا الشرط.

وهذا يخالف حكم العنوة فدل على انعقاد الصلح وجود هذا الشرط لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما آمن أبا سفيان، وعقد معه أمان قريش على الشروط المقدمة، أنفذه إلى مكان مع العباس ثم استدرك مكر أبي سفيان، وأنفذ إلى العباس أن يستوقف أبا سفيان بمضيق الوادي: ليرى جنود الله فقال أبو سفيان: أعذر يا بني هاشم، فقال له العباس بل أنت أغدر، وأفجر، ولكن لترى جنود الله في إعزاز دينه ونصرة رسوله، فلو كان دخوله عنوة لم يقل أبو سفيان: أعذرًا، ولم يجعل استيقافه غدرًا، فلما أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد كتائبه المتقدمة، قال أبو سفيان للعباس: لقد أوتي ابن أخيك ملكًا عظيمًا، فقال له العباس: ويحك إنها النبوة، فقال: نعم إذا، ثم أرسله العباس إلى مكة منذرًا لقومه بالأمان، فأسرع حتى دخل مكة، فصرخ في المسجد، فقال: يا معشر قريش هذا محمد قد جاء بما لا قبل لكم به، قالوا: فمه، قال: من دخل داري فهو آمن، قالوا: وما تغني عنا دارك، قال: من دخل المسجد فهو آمن من أغلق بابه فهو آمن من ألقى سلاحه فهو آمن، فحينئذ كفوا واستسلموا، وهذا من شواهد الصلح دون العنوة.

ويدل عليه أن راية الأنصار كانت مع سعد بن عبادة عند دخوله مكة، فقال سعد، وهو يريد دخولها:

اليوم يوم الملحمة اليوم تسبى الحرمة

<<  <  ج: ص:  >  >>