والثاني: أن هذه السورة نزلت بعد فتوحه كلها، فكانت خبرًا عن ماضيها، قال مقاتل: نزلت فعد فتح الطائف، والطائف آخر فتوحه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن آخر وطأة وطئها الله بوج" يعني آخر ما أظفر الله بالمشركين بوج ووج هي الطائف، فلما نزلت هذه السورة فرح بها أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، وبكى العباس لها فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما يبكيك يا عم قال: نعيت إليك نفسك، قال: إنه لكما تقول، وسميت هذه السورة سورة التوديع.
وأما الجواب عن قوله: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً} فمن وجهين:
أحدهما: ما حكاه الشعبي أنها نزلت في صلح الحديبية قبل فتح مكة، لأنه أصاب فيها ما لم يصب في غيرها بويع بيعه الرضوان، وأطعموا نخل خيبر، وظهرت الروم على فارس، تصديقًا لخبره، وبلغ الهدي محله.
والثاني: أنها نزلت في فتح مكة، والفتح يكون على كلا الوجهين
وأما الجواب عن قوله: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم} فهو أن الكف يمنع من القتال، وقوله: {مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} فهو أنه قد أضفره بهم حين لم يقاتلوه واستسلموا عفوًا فكان أبلغ الظفر بعد المحاربة، وقد ذكر بعض أصحابنا أنها نزلت عام الحديبية، وأن قوله: {بِبَطْنِ مَكَّةَ} يعني الحرم، وحكي عن ابن عباس أن مضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديبية قد كان في الحل، ومصلاه في الحرم، وقد يعبر بمكة عن الحرم، وهذا تكلف في الجواب يخالف الظاهر.
فأما الجواب عن قوله تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ} فهو أنه أمر بقتالهم إن امتنعوا، وبالكف عنهم إن استسلموا لقوله تعالى: {وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ} وهو يوم الفتح استسلموا ولو يمتنعوا.
وأما الجواب عن قوله: {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ} فهو أن النهي توجه إلى أن يدعو المسلمون إلى الصلح، وهم ما دعوا إليه وإما دعا إليه المشركون، فخرج عن النهي.
وأما الجواب عن الاستدلال بصفة مسيرة وقسمه بالله أن يغزوهم ودخوله إليه بسيوف مشهورة ورايات منشورة فمن وجهين:
أحدهما: أن الصلح والأمان تحدد بمر الظهران، فلا اعتبار بما كان قبله، وقسمه أن يغزوهم فقال قال:" إن شاء فاستثنى على أنه قد غزاهم، لأنه قهرهم ودخل عليهم غالبًا".
والثاني: أن نشر الرايات وسل سيوف من عادات الجيوش في الصلح والعنوة، وإنما يقع بين الفرق الحالتين بالقتال والمحاربة. وأما الجواب عن حديث أبي بن كعب أنه دخلها عنوة من وجهين:
أحدهما: أنه لما دخلها على كره منهم وظهور عليهم صار موصوفًا بالعنوة.