للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال في "الأم": "لا يقلع بعد موته، لأنه صار ميتاً كله، والله حسيبه"، وأراد لا يقلع بعد موته، والله تعالى يحاسبه عليه، إن شاء آخذه وان شاء عفا عنه.

وقال أبو إسحق: "يجب أن يقلع عنه لئلا يلقى الله تعالى بنجاسة، عصي بإدخالها في بدنه". وحكي عنه أنه قال: "إن قلع عنه كان أحوط وأولى، وإن ترك جاز". وهذا غلط، لأن المعصية، لا تزول بنزع ذلك ولا يتجدد المعصية في إنقائه [١٧٥ أ / ٢] وإزالته إنما تراد للصلاة، فإذا زال التكليف لم تجب إزالتها، ولهذا لا يلزم إزالته حتى يدخل عليه وقت الصلاة، ويتوجه عليه الأمر بإقامتها، فإن قيل: أليس يزال عين النجاسة ويغسل، وإن سقط عند التكليف؟.

قلنا: أما غسله، فتعبد، تعبد الأحياء، وليس بحكم يتوجه عليه في نفسه لو كان حياً، وأما إزالة النجاسة فلأن حكم الغسل لا يحصل ما دامت النجاسة، إذ النجاسة تمنع وصول الماء إلى ما تحتها، ولأنه ليس في ذلك مثله، ولا هتك حرمة، وفي كسر عظمه مثله. وقد خرج عن التكليف فلا يؤمر، فإذا تقرر هذا، قال بعض أصحابنا: هذا اللفظ يدل على أن بدن الآدمي ينجس بالموت، وهذا المذهب، لأنه قد صار ميتاً كله، أي: نجساً كله، فلا معنى لإزالة النجس عن النجس، وهذا غلط، بل المذهب أن الآدمي لا ينجس بالموت، وتأويل هذا اللفظ صار جماداً لا تكليف عليه، فلا معنى لقلعه. والمسألة مشهورة بالقولين.

وإن كان يخاف التلف من قلعه مثل أن كان في صلبه أو ضلعه أو رأسه أو خاف تلف عضو من أعضائه كالأصبع واليد ونحوهما، هل يجبر على قلعه؟. المذهب أنه لا يجبر، لأن حكم النجاسة يسقط عند خوف التلف، ألا ترى أن له أن يأكل الميتة عند خوف التلف، ولأنه لما جاز أن يجبره به إذا لم يجد غيره لموضع الضرورة، كذلك لا يقلع عند الضرورة.

ومن أصحابنا من قال: يجبر على قلعه، لأنه أطلق القول في "الأم"، فقال: "أجبره السلطان على قلعه"، ولم يفصل، ولأنه أن يستوفى منه حق الله تعالى، وإن أدى إلى التلف كالقطع في السرقة، ويستحق القتل على ترك الصلاة، وهذا لا يصح، لأنه يعفى عن النجاسة للضرورة كما في سلس البول والمستحاضة، ولا يعفى محن الصلاة جملة فيقتل تاركها، ولأن المجبر على الصلاة بالقتل يمكنه إسقاط [١٧٥ ب / ٢] القتل عن نفسه.

ومن أصحابنا من أطلق القولين في المسألة، وهو غير صحيح.

فرع

لو سقطت سنه، قال الشافعي رضي الله عنه: "صارت ميتة لا يجوز له أن يعيدها بعد أن بانت، ولا يعيد سناً غير سن ذكي يؤكل لحمه، فإن أعاد بعظم ميتة أو ذكي لا

<<  <  ج: ص:  >  >>