ودليلنا قول الله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ}[النساء: ٢٣] إلى قوله: {والْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}[النساء: ٢٤] والمراد بالمحصنات ها هنا ذوات الأزواج، فحرمن إلا ما ملكت أيماننا بحدوث السبي، فكان على عمومه في الإباحة فيمن كان معها زوجها، أو لم يكن.
وروي أبو سعيد ألخدري أن هذه الآية نزلت في سبي هوازن، ولو كان النكاح باقيًا لما جازت الإباحة، ولكان التحريم باقيًا.
والقياس: هو أنه رق طرأ على نكاح، فوجب أن يبطل به، كما لو استرق أحدهما.
فإن قيل: إنما بطل النكاح باسترقاق أحدهما؛ لاختلاف الدارين، فالجواب عنه من وجهين:
أحدهما: انه إذا اتفق موجب العلتين لم يتنافيا، فلم يصح التعارض.
والثاني: أن اختلاف الدارين لا يمنع من صحة النكاح؛ لأن أبا سفيان بن حرب، وحكيم بن حزام أسلما بمر الظهران، وزوجاتهما بمكة، فأقرهما على نكاحهما مع اختلاف الدارين بينهما أو لا ترى أن المسلم لو دخل دار الحرب فنكح زوجة، وله دار الإسلام أخرى لم يبطل نكاح زوجته في دار الإسلام، ولو عاد إلى دار الإسلام لم يبطل نكاح زوجته في دار الحرب مع اختلاف الدارين، فبطل أن تكون علة في فسخ النكاح وقياس آخر: أن النكاح ملك، فوجب أن يزول بحدوث الرق، كالأموال على أن ملك الأموال يشتمل على العين والمنفعة، والنكاح مختص بالاستمتاع الذي هو منفعة، ولك من هذا التعليل قياس ثالث: أنه عقد على منفعة فوجب أن يبطل بحدوث الرق، كما لو آجره الحربي نفسه ثم استرق.
فأما الجواب عن استدلالهم بسبي هوازن: هو أنهم كانوا عند ذلك على شركهم وإنما ظهر إسلام وافدهم فلم يلزمه بيان مناكحهم قبل إسلامهم وأما الجواب عن تعليلهم بأنه لما يمنع الرق من ابتداء النكاح لم يمنع من استدامته فمن وجهين:
أحدهما: انتفاضه بالخلع يمنع من استدامة النكاح، ولا يمنع من ابتدائه.
والثاني: أن حدوث الرق لا يتصور في ابتداء العقد، ويتصور في أثنائه فلم يصح الجمع بين ممكن وممتنع.
وأما الجواب عن استدلالهم بأنه لما لم يؤثر في النكاح حدوث الحرية على الرق، كذلك لا يؤثر فيه حدوث الرق على الحرية، فهو أن حدوث الحرية كمال، فلم يؤثر في النكاح وحدوث الرق نقص، فجاز أن يؤثر في النكاح.
فصل:
وإن كان الزوجان الحربيان مملوكين فسبيا، أو أحدهما ففي بطلان النكاح بينهما وجهان: