وإذا حرم التفرقة بينهما، ففرق بينهما ببيع ففي بطلان البيع وجهان:
أحدهما: وهو مذهب البغداديين أن البيع باطل، وبه قال أبو يوسف، لرواية الحكم عن ميمون بن أبي شبيب عن علي عليه السلام أنه فرق بين جارية وبين ولدها، فنهاه النبي صلي الله عليه وسلم عن ذلك ورد البيع. وروى ابن أبي ذئب عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده، قال: قدم أبو أسيد بسبي من البحرين، فصفوا لينظر إليهم النبي صلي الله عليه وسلم فرأى امرأة تبكي، فقال: مالك تبكين؟ قالت: بيع ولدي في بني عبس فقال لأبي أسيد: لتركبن ولتجيئن به كما بعته.
والثاني: وهو مذهب البصريين أن البيع صحيح، وبه قال أبو حنيفة، لأن النهي لمعنى في غير المعقود عليه، كالنهي عن البيع في وقت الجمعة، وأن يبيع الرجل على بيع أخيه، لكن لا يقر المتبايعان على التفرقة بينهما، ويقال للمشتري والبائع: إن تراضيتما ببيع الآخر لتجتمعا في الملك كان البيع الأول ماضيا، وإن تمانعتما فسخ البيع الأول بينكما، ليجمع بينهما، وعلى هذا يحمل فعل رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه فسخ البيع، لتعذر الجمع دون فساد العقد والله أعلم.
مسألة:
قال الشافعي:"فأما الأخوان فيفرق بينهما".
قال في الحاوي: وهذا صحيح، يجوز التفرقة في الملك بين ما عدا الوالدين والمولودين من الإخوة والأخوات والأعمام والعمات والأخوال والخالات وإن كان مكروهًا.
وقال أبو حنيفة: تحرم التفرقة بين كل ذي رحم محرم، استدلالًا برواية أبي موسى الأشعري أن النبي صلي الله عليه وسلم قال:"لا يفرق بين والدة وولدها، ولا بين والد وولده، ولا بين اخ وأخيه" وبرواية عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: قدم سبي على النبي صلي الله عليه وسلم فأمرني ببيع غلامين أخوين، فبعتهما وفرقت بينهما، فبلغ ذلك النبي صلي الله عليه وسلم فقال: أدركهما فارتجعهما وبعهما معًا ولا تفرق بينهما".
ومن القياس: أنه ذو رحم محرم بنسب، فلم تجز التفرقة بينهما في الملك كالوالدين والمولودين.
ودليلنا هو أن كل نسب لا يمنع من قبول الشهادة، ولا يمنع من جواز الزوجية كغير ذوي المحارم طردًا، وكالوالدين والمولودين عكسًا، ولأن الأحكام المختصة بالأنساب