تعالى:{وقَاتِلُوا المُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً}[التوبة: ٣٦] وبما روي أن علي بن أبي طالب نهى بصفين عبد الله بن عباس عن المبارزة، وقال لابنه محمد ابن الحنفية: لا تدعون إلى البراز، فإن دعيت فأجب، فإن الداعي باٍغ والباغي مصروع.
ودليلنا قول الله تعالى:{انفِرُوا خِفَافًا وثِقَالاً}[التوبة: ٤١] وقيل: خفافًا في الإسراع إلى المبارزة وثقالًا في الثبات للمصابرة.
وروى أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلي الله عليه وسلم سئل عن المبارزة بين الصفين فقال:"لا بأس به" وجهز رسول الله صلي الله عليه وسلم جيش مؤتة، وقال: الأمير زيد بن حارثة، فإن أصيب فالأمير جعفر بن أبي طالب فإن أصيب فالأمير عبد الله بن رواحة فإن أصيب فليرتض المسلمون رجلًا، فتقدم زيد بن حارثة وبرز فقاتل حتى قتل، ثم تقدم جعفر فقاتل حتى قتل، وتقدم عبد الله بن رواحة وبرز فقاتل حتى قتل، فاختار المسلمون خالد بن الوليد فقاتل وحمي المسلمين حتى خاضوا وعادوا، فلما بلغ ذلك رسول الله صلي الله عليه وسلم أثنى عليهم، وأخبر بعظم ثوابهم.
وروى محمد بن إسحاق أن النبي صلي الله عليه وسلم ظاهر يوم أحد بين درعين وأخذ سيفًا فهزه وقال:"من يأخذ هذا السيف بحقه" فقال عمر: أنا آخذه بحقه، فأعرض عنه، ثم هزه ثانية، وقال:"من يأخذ هذا السيف بحقه"، فقال الزبير: أنا آخذه، فأعرض عنه ثم هزه ثالثة وقال:"من يأخذه بحقه" فقام أبو دجانة سماك بن خرشة فقال: وما حقه يا رسول الله فقال: أن تضرب به في العدو حتى يثخن، فأخذه منه وتعمم بعصابة حمراء ومشى إلى الحرب متبخترًا، وهو يقول:
أنا أخذته في رقه إذ قيل من يأخذه بحقه
قبلته بعدله وصدقه للقادر الرحمن بين خلقه
المدرك القابض فضل رزقه من كان في مغربه وشرقه
فعاد وقد نكأ وجعل يتبختر في مشيه بين الصفين، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم:"إنها لمشية يبغضها الله إلا في هذا الموطن" فإذا لم يكره رسول الله صلي الله عليه وسلم في مبارزة جميع المشركين فأولى أن لا يكره لهم مبارزة أحدهم.
فأما الجواب عما احتج به الآية، فهو أنه إذا أمر بقتالهم كافة إذا قاتلوا كافة جاز أن يقاتلوا آحادًا وكافة، لأن الواحد بعض الكافة، وأما نهي علي عليه السلام عنه فلمصلحة رآها، خاف منها على ولده وابن عمه، خصوصًا في قتال المسلمين، كيف وقد لبس درع ابن عباس، وبرز عنه حتى قبل اللخمي الذي بارزه، وفعله أوكد من نهيه.
فصل:
فإذا صح جواز المبارزة، إما استحبابًا إن أجاب أو إباحة إن دعا فلجوازها ثلاثة شروط: