وذهب الشافعي إلي أن فتح السواد عنوة، وهو الذي نص عليه في هذا الموضع المنقول عنه في أكثر كتبه.
والدليل عليه من هذا الحديث خمسه أوجه:
أحدهما: أنه أقر السواد في أيدي الغانمين ثلاث سنين، أو ربع يستغلونه، ولم ينتزعه منهم، ولو لم يكن لهم فيه حق الغنيمة لم يستجز تركه عليهم هذه المدة.
والثاني: أنهم اقتسموه قسمة الغنائم حتى صار لبجيلة، وهم ربع الناس ربع السواد، وما اقتسموه إلا بأمر عمر، وعن علمه؛ لأنه من الأمور العامة، والفتوح العظيمة التي لا يستبد الجيش فيها بآرائهم إلا بمطالعته وأمره.
والثاني: أنهم لو تصرفوا فيه بغير حق لاسترد منهم ما استغلوه؛ لأنه يكون لكافة المسلمين دونهم.
والثالث: أنه عاوض من لم يطب نفسا بالنزول عن سهمه بعوض دفعه إليهم، جري عليه حكم الثمن حتى أعطي جريرا، وأم كرز ما أعطي، وهو لا يبذل من مال المسلمين إلا في حق.
والرابع: أنه استطاب نفوسهم عنه، ولو كانت أيديهم فيه بغير حق لأخذه منهم جبرا.
فدلت هذه الوجوه علي أنه كان عنوه مغنوما اقتداء في استطابه نفوسهم عنه برسول الله صلي الله عليه وسلم في سبي هوازن حين سألوه بعد إسلامهم المن عليهم، فخيرهم بين أموالهم وأهليهم، فاختاروا الأهل والأولاد، فمن عليهم، وعرف العرفاء عن استنزال الناس عنوا، وجعل لمن لم يطب نفسا بالنزول عن كل رأس من السبي ست قلائص حتى نزل جميعهم، إلا عيينة والأقرع إلي أن جدع عيينة، ونزل الأقرع، فلما استنزلهم رسول الله صلي الله عليه وسلم للمن والتكريم كان استنزال عمر للغانمين في عموم المصالح للمسلمين أولي وأوكد، واختلف في السبب الذي استنزلهم عمر لأجله علي قولين:
أحدهما: أنه رأي إن أقاموا فيه علي عمارته، واتغلاله، وألفوا ريف العراق، وخصبه تعطل الجهاد، وإن انهضم عنه مع بقائه على ملكهم خرب مع جلالة قدره، وكثرة استغلاله، فعلي أن الأصلح إقرار في أيدي الدهاقين والأكرة الذين هم بعمارته أعرف، وزراعته أقوم بخراج يضربه عليهم يعود نفعه علي المسلمين، ويتوفروا به علي جهاد المشركين.
والثاني: أنه فعل ذلك لنظره في المتعقب؛ لأنه جعل مصري العراق البصرة والكوفة وطنا للمجاهدين؛ ليحضوا بجهاد من بإزائهم من المشركين، ويستمدوا بسواد عراقهم في أرزاقهم، ونفقاتهم في جهادهم، وعلم أنه إن أقره علي ملكهم مع سعته، وكثرة ارتفاعه بقي من بعدهم لا يجدون ما يستمدونه، وقد قاموا مقامهم، وسدوا مسدهم فرأي أن الأعم في صلاح أهل كل عصر أن يكون وقفا عاما علي جميع المسلمين؛ ليكون لأهل