الإجازة، وإن لم تكن ملكا لهم وإذا مات أحدهم انتقل إلي وارثه يدا لا ملكا كالموروث، وبه قال أبو سعيد الإصظخري وأكثر البصريين، واختلف من قال بهذا فيما توجه الوقف إليه علي وجهين:
أحدهما: إلي جميع الأرض من مزارع ومنازل.
والثاني: إلي المزارع دون المنازل، لأن وقف المنازل مفض إلي خرابها، فهذا قول من جعلها وقفا.
وقال أبو العباس بن سريج وأبو إسحاق المروزي: لم يقفها، وإنما باعها علي أربابها بثمن يؤدي في كل سنة علي الأبد بالخراج المضروب عليها لينتفع بها الآخرون كما انتفع بها الأولون، ويكون الخراج ثمنا ويجوز أن تباع، وتوهب، وتورث، قالوا: إنما كانت مبيعه، ولم يكن وقفا لأمرين:
أحدهما: أن عمر قصد بما فعله فيها حفظ عمارتها، ولو كانت وقفا لا يملكها المتصرف، ويري أنها ليست ملكا مبيعا موروثا لم يشرع أهلها في تأبيد عمارتها، وراعوا ما يتعجلون به استغلالها، فأفضي ذلك إلي خرابها، وزوال الغرض المقصود بها.
والثاني: انه لما يزل أهلها علي قديم الوقت وحديثه، يتبايعونها ويتوارثونها، ولا ينكره عليهم احد من أثمة الامصار، ولا يبطله أحد من القضاة والحكام، ولا يمتنع احد من العلماء من اعل الديات أن يتبايعوها، ويتوارثوها، دل علي انعقاد الإجماع علي خروجها ما أحكام الوقف إلي أحكام الأملاك.
قالوا: وإنما استجاز عمر بيعها بهذا الثمن المجهول المؤبد لأمرين:
أحدهما: لوصولها من جهة المشركين المعفو عن الجهالة فيما صار منهم، كما بذل رسول الله صلي الله عليه وسلم في البدأة والرجعة، الثلث والربع في الغنيمة، وإن كان قدرها مجهولا، وكما يجوز أن يبذل لمن دل علي القلعة في بلاد الشرك جارية من أهلها، وإن جهلت.
والثاني: أن ما تعلق بالمالح العامة يخفف حكم الجهالة فيه، للجهالة بأحكام العموم.
وإطلاق هذين المذهبين في وقفها وبيعها عندي معلول، لأن ما فعله عمر فيها لا يثبت بالاجتهاد حتى يكون نقلا مرويا، وقولا محكيا عن عقد صريح يستوثق فيه بالكتاب والشهادات في الأغلب، وهذا معدوم فيه، فلم يصح القطع بوفقها لما عليه الناس من تبايعها، ولا القطع ببيعها بالخراج المضروب عليها لأمرين:
أحدهما: أن الخراج مخالف للأثمان بالجهالة، وأنه مقدر بالزراعة.
والثاني: أن مشتريها يدفع خراجها دون بائعها، فيصير دافعا لثمنين، وليس للمبيع إلا ثمن واحد، ويكون ما قيل من وقفها محمولا علي أنه وقفها علي قسمة الغانمين، ووقف خراجا علي كافة المسلمين فيكون ملكها مطلقا لمن أقرت عليه استصحابا لقديم ملكهم، لما علم من عموم المصلحة فيه، ودوام الانتفاع به، فتصير مخالفاً للأرض