مال، وإن لم يأمنهم فلا أمان لهم، ويجوز له اغتيالهم، لقوله تعالى:{فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ}[الأنفال: ٥٨].
والرابعة: أن يؤمنوه ولا يستأمنوه، ففيه وجهان:
أحدهما: وهو قول أبي علي بن أبي هريرة إنهم لا أمان لهم منه، وإن عقدوا له أمانا منهم: لأن تركهم لاستئمانه قلة رغبة في أمانه.
والثاني: وهو الظاهر من مذهب الشافعي، وقول جمهور أصحابه، إنه قد صار لهم بأمانهم له أمان منه، وإن لم يستأمنوه، لما يوجبه عقد الأمان من التكافؤ فيه.
مسألة:
قال الشافعي:"ولو خلوه على فداء إلى وقت فإن لم يفعل عاد إلى أسرهم فلا يعود ولا يدعه الإمام أن يعود ولو امتنعوا من تخليته إلا على مال يعطهموه فلا يعطيهم منه شيئًا لأنه مال أكرهوه على دفعه بغير حق".
قال في الحاوي: إذا أطلق أهل الحرب أسيرًا على اشتراط فداء يحمله إليهم، فإن حمله، وإلا عاد إليهم، لم يجب عليه حمل الفداء، ولا العود إليهم، ويكون الشرطان باطلين.
وقال الزهري، والأوزاعي: الشرطان واجبان، فيؤخذ بحمل المال إليهم، فإن حمله، وإلا أخذ بالعود إليهم.
وقال أبو هريرة والحسن البصري، وإبراهيم النخعي، وسفيان الثوري: اشتراط الفداء لازم، واشتراط العود باطل.
واحتجوا بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عقد صلح الحديبية مع قريش على أنه يرد إليهم من جاء مسلمًا منهم، فجاءه أبو جندل بن سهل بن عمرو مسلمًا، فرده إلى أبيه، وجاءه أبو بصير مسلمًا، فرده إليهم مع رسول لهم، فقتل الرسول، وعاد فقال: يا رسول الله قد وفيت لهم، ونجاني الله منهم، فلم ينكره عليه.
ودليلنا: ما روي أن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بعد صلح الحديبية مسلمةً، وجاء أخواها في طلبها، فنهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عن ردها إليهم، بقوله تعالى:{فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ}[الممتحنة: ١٥]. ولأن المعاوضة عن رقبة الحر لا تصح، فبطل الفداء، وسقط المال.
والهجرة من دار الحرب واجبةً، والعود إليها معصيةً، فلم يجز العود. فأما حديث أبي جندل، وأبي بصير، فهو منسوخ بحديث أم كلثوم، وعلى أنهما كانا ذوي عشرة طلبا رغبة فيهما، وإشفاقا عليهما، فخالفا من عداهما.