واحد منهما تفسيرًا للآخر.
والثاني: معناه أنه أرسله بالهدى إلى دين الحق؛ لأن الرسول هادٍ والقرآن هدايةً، والمأمور به هو دين الحق.
والثالث: أن الهدى هو الدليل، ودين الحق هو المدلول عليه.
وأما قوله: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة: ٣٣]. فقد دفعه المتشككون في أديانهم، وقالوا: قد بقيت أطراف الأرض من الروم، والترك، والهند، والزنج، وغيرهم من الأمم القاصيةً، ما أظهر دينه على أديانهم، فلم يصح هذا الموعد.
والجواب عن هذا القدح: أن أهل التأويل قد اختلفوا في هاء الكناية التي في قوله: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة: ٣٣] إلى ماذا تعود؟ على ثلاثة أوجه:
أحدها: أن تعود إلى الهدى.
والثاني: أنها تعود إلى دين الحق وحده.
والثالث: أنها تعود إليهما، وهو الأظهر.
فأما الهدى ففي معنى إظهاره ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه إظهار دلائله، وحججه، وقد حقق الله فعل ذلك، فإن حجج الإسلام أظهر ودلائله أقهر.
والثاني: أنه إظهار رسوله الله وقد حقق الله تعالى ذلك، فإنه ما حارب قومًا إلا انتصف منهم، وظهر عليهم.
والثالث: أنه بقاء إعجازه ما بقي الدهر، فإن معجزة القرآن باقيةً على مرور الأعصار، ومعجزة موسى فلق البحر، وعيسى في إحياء الموتى، منقطع لم يبق.
وأما الدين، ففي إظهاره على الدين كله ثلاثة أوجه:
أحدها: أن إظهاره هو انتشار ذكره في العالمين، ومعرفة الخلق به أجمعين، وهذا موجود؛ لأنه لم يبق في أقطار الأرض أمة إلا وقد علمت بدين الإسلام، ودعوة محمد - صلى الله عليه وسلم- إليه، وهو بالحجاز، وهو أحد التأويلات في قوله تعالى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح: ٤].
والثاني: أن إظهاره هو علوه على الأديان كلها، فهو طالب وغيره مطلوب، وقاهر وغيره مقهور، وغانم وغيره مغنوم، وزائد وغيره منقوص، وهذا ظاهر موجود، قال {صلى الله عليه وسلم}: "الإسلام يعلو ولا يعلى، ويزيد ولا ينقص".
والثالث: أن إظهاره على الأديان كلها سيكون عند ظهور عيسى ابن مريم ونزوله من السماء حتى لا يعبد الله تعالى بغيره من الأديان كما قال تعالى: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا}، [النساء: ١٥٩].
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم-: زويت لي الأرض، فأريت مشارقها ومغاربها، وسيبلغ ملك أمتي