شرطًا في قبولها منهم، فلم يجز لعدم الشرط أن تقبل من غيرهم. وروى عبد الرحمن بن عوف أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال في المجوس: سنوا بهم سنة أهل الكتاب، فدل على اختصاص الجزية بهم.
وروى عمرو بن شعيب - عن أبيه - عن جده - أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كتب إلى أهل اليمن أن تؤخذ الجزية من أهل الكتاب، فخصهم بالذكر لاختصاصهم بالحكم ولأنه وثني فلم يقر على حكمه بالجزية كالعربي، ولأن من لم يقر بالجزية من العرب لم يقر بها من العجم كالمرتد، ولأن لأهل الكتاب حرمتين:
إحداهما: حرمة الكتاب الذي نزل عليهم.
والثانية: حرمة دين الحق الذي كانوا عليه.
وهاتان الحرمتان معدومتان في عبدة الأوثان، فافترقا في حكم الإقرار بالجزية.
فأما الجواب عن حديث ابن بريدة، فمن وجهين:
أحدهما: تخصيص عمومه بأدلتنا.
والثاني: أنه لا يصح التعلق بظاهره حتى يقترن به إضمار، فهم يضمرون أخذ الجزية منهم إذا كانوا عجما، ونحن نضمر أخذ الجزية منهم إذا كانوا أهل كتاب، ولو تكافأ الإضماران سقط الدليل، واختيارنا أولى لثبوت حكمه عن إجماع.
وأما الجواب عن أخذها من المجوس، فهو ما سنذكره من بعد في أن لهم كتابًا.
وأما قياسهم على القتل، فغير صحيح لأمرين:
أحدهما: أن القتل لا يبقى معه إقرار على الكفر، وفي الجزية إقرار على الكفر فافترقا.
والثاني: أن القتل أغلظ من الجزية، فلم يجز أن يلحق به ما هو أخف منه إذا كان محمولًا على التغليظ.
فصل:
وأما الحكم الثاني: في العرب، فاستدل من منع من قبوله جزيتهم بما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه كان إذا عرض نفسه في المواسم قبل هجرته على القبائل قال لهم: "هل لكم في كلمة إذا قلتموها دانت لكم العرب، وأدت إليكم الجزية العجم، فأضاف الجزية إلى العجم ونفاها عن العرب".
وبما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لا يجري على عربي صغار".
والجزية صغار بالنص، وقد نفاه عنهم، فلم يجزه أخذها منهم، ولأن كل حرمة ثبتت بالإسلام منعت من قبوله الجزية ً كالإسلام، ولأن كل من لم يجز استرقاقه لم تؤخذ جزيته كالمرتد.