وصالح عمر بن الخطاب رضي الله عنه نصارى الشام علي أن ضرب عليهم الجزية علي أهل الذهب أربعة دنانير، وعلي أهل الورق ثمانية وأربعون درهما وضيافة ثلاثة أيام، ولأنه مرفق يستزاد من المشركين ويستعين به سابلة المسلمين، وإذا كان كذلك فالكلام في عقد هذه الضيافة، مشتمل علي ثلاثة فصول.
أحدهما: حكمها فيمن يشترط عليه.
والثاني: حكمها فيمن تشرط له.
والثالث: حكم بيانها.
فأما الفصل الأول: فيمن يشترط عليه، فمعتبر بثلاثة شروط:
أحدهما أن يبذلوا طوعا لا يجبرون عليها، لأنها عقد مراضاة، فلم يصح إلا عن اختيار الجزية، فإن امتنعوا من الضيافة، ولم يجيبوا إلي غير الدينار قبل منهم، وأسقطت الضيافة عنهم كما تسقط عنهم الزيادة علي الدينار إذا امتنعوا منها فإن امتنع منها بعضهم، وأجاب إليها بعضهم سقطت عمن امتنع ولزمت من أجاب.
والثاني: أن يكون بهم قوة عليها لا يضعفون عنها إما لخصب بلادهم، وإما لكثرة أموالهم، فإن ضعفوا عنها لم يؤخذوا بها، واختص وجوبها بالأغنياء والمتوسطين دون المقلين، بخلاف الجزية، لأن الضيافة تتكرر في السنة، والجزية لا تتكرر.
والثالث: أن تشترط عليهم بعد جزية رؤوسهم وهو الدينار الذي هو أصل المأخوذ منهم، ليكون زيادة معونة ومرفق، فإن جعلت الضيافة في الجزية، ولم يؤخذ دينار الجزية، ففي جوازه لأصحابنا وجهان:
أحدهما: وهو قول أبي إسحاق المروزى، وأبي علي بن أبي هريرة، وجمهور البغداديين أنه لا يجوز إلا بعد الدينار لأن رسول الله صلي الله عليه وسلم صالح أهل أيلة عليهما، وكذلك عمر في صلح أهل الشام، ولأن الدينار معلوم يعم نفعه، فلم يجز أن يسقط بالضيافة التي يخص نفعها.
والثاني: وهو قول كثير من البصريين يجوز الاقتصار عليها، إذا لم يبذلوا الدينار معها، إذا كان مبلغها في السنة معلوما قدر الدينار فما زاد، لأن الضيافة جزية، فلم يلزم أن يجمع عليهم بين جزيتين، كما لم يلزم في نصارى بني تغلب حين ضاعف عمر عليهم الصدقة أن يأخذها مع دينار الجزية، لأن كل واحد منهما جزية، ولأنه لما جاز أن يصالحوا علي الدينار دون الضيافة جاز أن يصالحوا علي الضيافة دون الدينار فعلي الوجه