للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مضى، لو صولحوا على ما لا يجوز. وإن اعترفوا بقدر يجوز أن يكون جزية قبله منهمـ ولهم فيه حالتان:

إحداهما: أن يتفقوا جميعًا على القدر، فيعمل عليه مع جميعه بعد إحلافهم عليه، واليمين واحدة.

والثانية: أن يختلفوا فيها، فيقر بعضهم بدينار، ويقر بعضهم بأكثر، فيلزم كل واحد منهم ما أقر به، ولا تقبل شهادة بعضهم على بعض، وإن جوزه أبو حنيفة. ويكتب الإمام في ديوان الجزية أنه رجع إلى قولهم حين أشكل عليهم صلحهم، فاعترفوا بكذا وكذا.

وإن اختلفوا أثبت أسماء المختلفين، وما لزم كل واحد بإقراره، وأنه أمضاه بعد إحلافه؛ لجواز أن تتجدد بينة عادلة، يخالفها، فيحكم بها، وإن قامت بينة بأكثرها أقروا به عمل عليها، واستوفى ما لم يأخذه من الزيادة، وعاد إلى ديوانه، فأثبت ما قامت به البينة، بعدما أخذ من الإقرار، وصار ذلك حكمًا مؤبدًا، والله أعلم.

مسألة:

قال الشافعي: "وليس للإمام أن يصالح أحدا منهم على أن يسكن الحجاز بحال ولا يبين أن يحرم أن يمر بالحجاز مارا لا يقيم بها أكثر من ثلاث ليال وذلك مقام مسافر، لاحتمال أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإجلائهم عنها أن لا يسكنوها ولا بأس أن يدخلها الرسل لقوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ}] التوبة: ٦] الآية ولولا أن عمر رضي الله عنه أجل من قدم المدينة منهم تاجرا ثلاثة أيام لا يقيم فيها بعد ثلاث لرأيت أن لا يصالحوا على أن لا يدخلوها بحال ولا يتركوا يدخلونها إلا بصلح كما كان عمر رضي الله عنه يأخذ من أموالهم إذا دخلوا المدينة".

قال في الحاوي: اعلم أن بلاد الإسلام ثلاثة أقسام: حرم، وحجاز، وما عداهما فأما الحرم، فهو أشرفها، لما خصه الله تعالى من بيته الحرام الذي علق عليه الصلاة والحج، وشرفه بهاتين العبادتين ما ميزه من سائر البلاد بحكمين:

أحدهما: أن لا يدخله قادم إلا محرم بحج أو عمرة.

والثاني: تحريم صيده أن يصاد، وشجره أن يعضد.

ولما كانت له هذه الحرمة، فلا يجوز أن يدخله مشرك من كتابي، ولا وثني لمقام، ولا اجتياز.

وقال أبو حنيفة: يجوز دخولهم إليه للتجارة وحمل الميرة من غير استيطان ويمنعون

<<  <  ج: ص:  >  >>